news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
فشة خلق
حسن الختام ....بقلم : فواز هاشم

لست أنت بل المجتمع ،الثقافة ،العادات ،التقاليد ما يجعلك ما أنت عليه ؛ فنحن في مجتمعنا العربي الإسلامي ، عندما يصل الإنسان لعمر معين ، يتوقع منه الجميع أن يتصرف ويفكر بشكل معين.


 فإحدى معارفي تقول لزوجها وهو مازال في الأربعينات من عمره عندما يتحمس ويفكر في مشروع تجاري مالك والعمل الآن وقد أصبحت بهذه السن – يلا حسن الختام ؟-"

 عجبا من تفكيرنا، في حين أعرف سيدة أمريكية عمرها تجاوز السبعين تبدأ بتعلم السباحة ؟؟ ولم يقل لها أحد   الآن وأنت في هذه السن وقد شارف العمر على الإنقضاء ، تتعلمين السباحة ؟ مالك والسباحة في هذا العمر   لما لا تلزمين بيتك تصلين وتتعبدين ؟ وكأنه يقول بدون كلمات (وتهيئي نفسك للموت ) !

 ألا يعلم ذلك القائل بأنها قد تعيش سنين أكثر منه ! فالموت لا يعرف سنا ، ولنقل جدلا بأنها ستموت بعد سنة من تعلمها السباحة ، فما الضرر من أن تستمع بسنتها الأخيرة وتقوم بما يسعدها ؟؟

تلك قصة ،أما القصة التي بعدها ، فهي أني كنت أعرف شخصا غربيا ، كان يعمل معنا وعمره في الستين أو يزيد قليلا ، فاجأنا في يوم من الأيام مودعا ، قائلا بأنه قد استقال من العمل – وأنا على علم بأن راتبه جيد – معللا ذلك بأنه غير متزوج ولا أولاد لديه ولا مسؤولية يتحملها ، وفورا وبسرعة البرق -نحن العرب –قاطع تفكيرنا كلامه وقلنا في نفوسنا بأنه جمع المال الوفير ولا يتحمل أية مسؤولية –كما قال- وبالتالي أكيد سيقضي بقية  أيامه بالسياحة وزيارة بلاد الله الواسعة مسترخيا ،متنعما بما لديه من أموال ، ولكنه يفاجئنا بقوله بأنه سينضم لجماعة تهتم بالعناية والرعاية ببعض سكان أفريقيا الذين يحتاجون للكساء والطعام والعناية الطبية ، وبما أنه كان يعمل ممرضا في السابق ولديه بعض الإلمام بالشؤون الطبية فهو سيطلب الالتحاق بتلك الجماعة بصفة ممرض متطوع ؟؟

 أناشدكم الله ، هل فينا من يفكر هكذا ، وإن فكر بذلك – مجرد تفكير – ألا يقول له من حوله بأنه مجنون ، وسيتندرون عليه من وراء ظهره ، والغالبية ستقترح عليه ، بما أن الله منعم عليه ولا يحتاج لعمل لكسب عيشه – أن يتزوج من فتاة صغيرة السن تجدد له شبابه ، أليس كذلك ؟؟

أنا لا أمتدح الغرب ، ففيه من الصفات الغريبة عنا مافيه ، ولكن أقول لما لا نأخذ عنهم ، صدقهم واستقامتهم واحترامهم للنظام وتقديسهم لحريتهم وحرية الآخرين .

 واسمحوا لي بمثال آخر حدث في الغرب ، أنتقل (عربي) يعيش في الغرب من حي إلى حي آخر ، فما كان من أهل الحي الجديد إلا أن تقدموا وساعدوه في إنزال أثاثه وترتيبها  وقدموا له الطعام وأشعروه بأنه وعائلته مرحب بهم في حيهم ، وعندما انتهت حاجته إليهم ، ذهب كل منهم لمنزله ، وفي الصباح التالي والأيام التي بعدها لم تتعدَ علاقة الجيران به على التحيات الصباحية والمسائية ، وكيفك على الماشي ، وهم يتصرفون هكذا من منطلق إحترام الحرية الشخصية وعدم التدخل في شؤون الآخرين .

 بينما عندنا في بلادنا العزيزة ، عندما يأتي قاطن جديد في الحي أو البناء ، ينظرون إليه بتوجس وقلق ويقفون منه موقف دفاعي – من مبدأ لسه ما عرفنا خيرو من شرو – وإن حصل ومد أحدهم يد العون لهذا القادم الجديد فإنه يتوقع بداهة خدمة أو مساعدة في المستقبل القريب أو البعيد فهو "مفضل عليه" ، ومساعدته ستعطيه الحق بأن يسأل ويتدخل في أدق خصوصياته وأن يفرض نفسه عليه و"يأخذ وجه على الآخر" ، كل ذلك لأنه ساعده ، وإذا لم يلقى الترحيب المأمول ،فيا ويل ذلك القادم الذي سيصبح لئيما ويعض اليد التي إمتدت لمساعدته !!!

رجل في الستين ومازال يشعر بما يشعر به ابن العشرين ، فهو يضحك من قلبه للنكته أو الموقف المضحك ، ومازال يحب الرحلات والنزهات ، ومازال يحب المقالب واللباس الحلو والعطر الحلو والأكل بالمطاعم الحلوة ، فهو بالمختصر يستحسن كل ما هو حلو ، ولكنه يجابه من المجتمع وممن حوله ، فهم لا يريدونه على هذه الشاكلة ، بما أن الله قد أمد بعمره ليصل لهذه السن ، فيجب أن يتقولب بالشكل الذي يرتئيه المجتمع مناسبا لعمره ، يمشي ولا يركض ، يبتسم ولا يضحك يلبس ولكن بألوان وموديلات تناسب عمره! وإن جلس فعليه أن يجلس بوقار وإن تحدث فعليه أن يتحدث كما يتوقع من الكبار أن يتحدثوا ، عن الموت والآخرة وعن تاريخهم العريق المفعم بالأخلاق والقيم التي اندثرت في هذه الأيام وكيف كان جيلهم مهذب ، مؤدب ، يحترم الكبير ويحنو على الصغير !!!  ويحضرني  قول الشاعر : أحمد صافي النجفي الذي يقول :

إني بروحي لا بعد سنين                        فلأ هزأن غدا من التسعين

عمري إلى السبعين يركض مسرعا             والروح ثابتة على العشرين

 

صدقوني أني شخصيا ولم أتجاوز الأربعين من العمر عندما علم رفاقي بأني سألتحق بدورة محاسبة ، أستغرب الجميع وأثارت رغبتي الالتحاق بالدورة الأسئلة من كل حدب وصوب والإستفسار عما جعلني أدرس الآن وبهذا العمر وعندما شرحت لهم أني ببساطة أرغب بتعلم فن المحاسبة لمجرد التعلم ، شكوا في كلامي ولم يصدقوه وأجمعوا على أنه معروض علي عمل محاسب وأنا أتهيأ للوظيفة المأمولة ، ماعدا أحدهم صدقني ولكنه قال لي ( عند الكبرة جبه حمرا !)

هذا ما عنيته ، إن تشكيلة من العادات والتقاليد والثقافة تقف عائقا في طريقك إن رغبت أن تتصرف بما يريحك ويناسبك فترانا دائما نعمل بما يرضي الأهل والمجتمع قبل أن نرضى نحن ؛ وهذا بالضبط ما يجعل النفاق والكذب منتشرا بيننا . 

ومنذ زمن كنت كلما تقدمت لعمل أسمع من يقول: ولكنه كبير السن ،، والله غريبة ، ماذا تريدون؟ ...أن يتقاعد الإنسان وعمره خمس وثلاثون سنة ؟

رحم الله من قال: ذهبت لأوربا فوجدت إسلاما ولم أجد مسلمين ،ورجعت لبلاد المسلمين فوجدت مسلمين ولم أجد إسلاما .

 

2011-01-03
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد