طوال الشهر الكريم كان أبو جانتي ضيفاً لطيفاً يخفف عني وعن عائلتي عناء الصيام ومتاعب العمل في الأيام الحارة ...
كانت حلقاته أشبه بسحابة صيف ممتعة مضحكة مسلية لحد الجذب التام ...
كنا نتسمر أمام الشاشة ونضحك من قلبنا على كلمات أبو ليلى ومقالبه البعيدة عن الصورة النمطية التي اعتدناها في المسلسلات الكوميدية السورية الرائدة ...
أبو جانتي خيار ذكي ... والخيارات الذكية دوماً ُتحترم أخرج بها سامر المصري نفسه من عباءة العكيد التي لازمته طويلاً لينتقل ببراعة إلى فراغ آخر مبتعداً عن صورة أبو شهاب التي التصقت بذهن المشاهد العربي وبه لفترة طويل من الزمن
وبالرغم من مقتل العكيد في باب الحارة الجزء الخامس ، وبالرغم من جنازته والحزن الذي عم الحارة وشخصياتها كان العكيد الحقيقي الذكي يلعب في مكان آخراً مراهناً على حضوره وموهبته وحسن خياره الذي لن يخيب ورغم ابتعاد أبو جانتي عن نوعية الشخصيات التي أداها سامر سابقاً إلا انه أجاد إصابة الهدف ...
من خلال أبو جانتي اقترب سامر المصري من شريحة كبيرة من الناس .... وأصبح عكيداً على قلوبهم عندما أضحكهم وأمتعهم... معتمداً على ثلاثة شخصيات رئيسية حاملة للعمل أدى ممثلوها أدوارهم باقتدار مثل أيمن رضا وأندريه سكاف وفادي صبيح ...
وبالرغم من الإطالة النصية في بعض المشاهد إلا أن التقطيع السريع كسر نمطيتها وقدم العمل بصورة بصرية جديدة مختزلة ببعض الأحيان وإيقاعية بأحيان أخرى ...قدم سامر ومن ساعده بالكتابة نص لطيف ... بسيط ... لا بطولي ولا ملحمي ولا تراجيدي محزن ولا درامي عميق ولا حزين ولا كئيب ...
نص من الشارع بنبضه ومن الشخصيات بطبائعها ومن التيار الجاري في المدينة بسرعته العادية...
نص ربما يختصر أي حدث عابر نمر به أو نسمع عنه ويقبل أي إضافة كلامية أو حركيه ... تاركاً فيه فراغا جيداً للممثل ليترك بصمته في الأداء الكوميدي ...
ورغم اعتراضي الشديد على النهاية الحزينة إلا إنها أخف وطأة من أي نهاية أخرى محتملة ومتبعة سابقاً في أعمالنا كموت البطل أو حادث أليم أو اختفاء غير مفهوم .......
فإذا كان لابد من أن نرى أبو جانتي حزيناً في الحلقة الأخيرة فوصلنا إلى ذلك الهدف بأقل الخسائر الممكنة...
بعد انتهاء عرض المسلسل ورغم الآراء المتباينة التي تناولت العمل ...
وأقلام النقاد التي طالته من زوايا متعددة نجح سامر في تقديم مشروعه وتجسيد مقولة الجمال في البساطة ...
والحكمة في حسن الاختيار ....
أوصل العمل الكثير من الرسائل دون تحميله بأكثر مما يحتمل فلم يخرج الشخصيات أبداً من نفسها ولم يقدم فزلكات كلامية وتحليلية غير مبررة من شخصيات بسيطة ليضع أبو جانتي مع قائمة الأعمال الأولى لهذا العام رغم اشتداد وطأة المنافسة في الدراما السورية.