في ذكرى ممدوح عدوان
من الصعب أن أنسى الشاعر الراحل ممدوح عدوان ولو كان حاضرا ً لقال :
لن أنسى أمسية النادي الثقافي في القطيلبية
وكيف أنسى يوم التقيته في مدينة الرقة حيث كان يحيي أمسية شعرية بدعوة من المركز الثقافي حيث كان مدير المركز آنذاك الأستاذ خلف المفتاح الذي كان رائعا ً في إدارة المركز.
كنت أدرّس في ثانوياتها بداية التسعينات من القرن الماضي.ولم أنسَ يوم حضرت أمسيته في ليلة شتائية حافلة بالشعر الأنيق المنعش.وبقحّاته وظلّ وجهه محمراً حتى النهاية .
إذ لا تزال عالقة بذاكرتي تلك الأمسية ,بعدها في اليوم التالي التقيته في فندق الكرنك كنت سعيدا ًومشدوها حين طلبت منه في عرض الحديث أن يحي أمسية في قريتي المتواضعة القطيلبية .حيث كنت أسست ناديا ثقافيا ً شبيبيا ً ولم يكن لدينا المكان المناسب الذي لا يتسع إلا للقليل.
وتفتقت قريحتي وباندفاع الشباب بحثت فتيسرت القاعة التي تتسع لأكثر من 50 شخصاً ، بناء مفتوح في الثانوية ,كان من الصعب الحصول على موافقة لشغل المكان بأمسية شعرية , فليس هناك ممن يدرك معنى ذلك.
ولكن مدير الثانوية آنذاك محمد عبد الحميد حين طرحت عليه الفكرة مدّ يده بمفاتيح المدرسة وقال:
تفضل لك المدرسة بما فيها .
ما كنت أنسى تلك اللحظة المليئة بالأسى والفرح .
ممدوح عدوان في القطيلبية.
كنت كلما أوجه الدعوة لشخص يتساءل ممدوح عدوان سيأتي?? حتى أن بعض الأصدقاء الأعزاء : في لحظة وصولنا من طرطوس حيث كان الشاعر قد أحيا أمسية في ليلة سابقة قالوا: أين شاعرك العظيم الذي صرعتنا به،وقد مرّ ربع ساعة على موعد الأمسية نحن ذاهبون وكان الشاعر الرائع معنا فقال لهم :أنا العبد الفقير ، يومها يذكر الجميع أن القاعة امتلأت بما لا يقل عن 45. شخص في نيسان1995
لم أكن أعرف كيف جاؤوا ومن أين..؟ ولم يكن الإعلام له الدور الكامل فاستمرت لأكثر من ثلاث ساعات بين قراءة القصائد وحوار من حب ومدح وقدح وذم لم تسلم منه شريحة اجتماعية .
وهل ننسى قصيدة مصياف :
نتعمد الإسراف كي نستر الفاقة
والزاد خبز حاف والنفس أفاقة
تابوتنا مصيّاف والقبر ورّاقة
يومها لم يكن لدينا فندق أو نستطع أن نؤمّن فندقاً له فاستضافه أحد الأصدقاء في بيته
وسهرنا حتى بزوغ الفجر بين الحوار والنكتة والحكاية الجميلة ,كانت سعادته فوق الوصف.
وحيال ذلك لن تنسى القطيلبية الشاعر ممدوح عدوان.
وبعدها لم أتشرف بلقائه أو سماع صوته سوى عبر التلفزيون والراديو.
رحل ممدوح عدوان ولم ترحل ذكراه .
فبقيت في القلب غصة
وفي العين دمعة
وفي المخيلة ذكرى جميلة.
رحل ممدوح باكرا ً وهو الذي كان يحب الحياة.
رحل لا يأسف عليها .
ولم يكن ليرغبها بلا أمل وغاية وهدف.
لكنه رحل حزينا ًلأنه لم يكمل مشروعه الثقافي الذي كان شغوفا ً لإكماله.