news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
الولد الشرشوح ...!!... بقلم : إبراهيم مسك

الولد الشرشوح  :


نزل من المكرو مطأطئاً رأسه (كما نفعل كلنا)  ثم اعتدل يُنسي نفسه انحناءته اليومية (كما نفعل عند ركوب كل سرفيس) ..

نفض ثيابه وهيأ هندامه ، ووضع نظارته الشمسية وهو يأخذ نفساً عميقاً ليتأكّد من أن رائحة العطر ما تزال تفوح منه .. وإلا فإنه سيأخذ "بخة" جديدة من الزجاجة المخبأة في جيبه ..

وبعد ان تأكد من مظهره ، ومن هندامه ، التفت للوراء التفاته صغيرة ليتأكد أن زوجته وأولاده نزلوا وراءه من السرفيس ، ثم مشى ليتبعوه وقد حانت منه نظرة سريعة لحذائه ليتأكد من لمعانه ..

زوجته كان مظهرها أنيقاً بالتأكيد .. فهي أول من يستيقظ ، ويستهلك ارتداءها لثيابها ووقوفها خلف المرآة أضعاف الوقت الذي يستهلكه باقي أفراد الأسرة ، كيف لا وقد استغرق شراء تلك الثياب والعطور والمكياجات مشاوير طويلة للسوق ؟؟

 

وبعد أن تنتهي من ثيابها توقظ أولادها ، وتلبستهم ثياب المدرسة على عجل .. ثم تخرج تلحق بزوجها ليوصلوا الأولاد للمدرسة  قبل ذهاب كل واحد منهم إلى عمله ..

لم يكونا ثريين ، أو أصحاب سعة في اليد .. ولكن ضرورة الشغل والوظيفة تقتضي الاهتمام باللباس والهندام   ولو كان على حساب جزء من الراتب ..

أما الأولاد : منى ، و رفيف ، وعلاء .. فقد كان مظهرهم يعكس تماماً أنهم أبناء موظفين ، يسكنون في بيتٍ مستأجر ، وهم من أبناء صغار ، صغار ، الكسبة ..

هذا الوضع ليس هو الوضع العام في مجتمعنا .. ولكن ما أريد إيصاله هو الجزء الأخير من الفكرة ..

فالصورة الأقسى في هذه اللوحة هو رؤية فتيان وبنات في عمر الزهور ، وثيابهم ومظهرهم ، وشعرهم ، وأحذيتهم لها وصف واحد : (شرشحة) ..!

فالكثير من الأولاد في مرحلة ما من حياتهم لا يدرون كيف يهتم الواحد منهم بمظهره ، وثيابه ، وتهذيب شعره ، وتلميع حذائه ..

وعندما يريد الخروج في (مشوار) ما .. فإن ثياب العيد الماضي تبقى بالنسبة لديه هي الأحلى والأجمل (حتى العيد القادم) ..

وإن كانت متسخة فإن ثياب الأخ الكبير هي الحل الوحيد ..

 

هؤلاء الصغار الذين هم أبناؤنا ، في عمر الابتدائية والاعدادية ، الكثير منهم لا يدرك ماذا يعني هندام ، وأناقة ، وبريستيج ، فتراه يرتدي ما تيسّر ..

ولا يعلم أن عليه أن يعتني بأناقته ومظهره ، بدءاً من تغسيل وجهه ، وتنظيف أسنانه ، وتسريح شعره ، وانتقاء الملابس المتناسقة مع بعضها ، وانتهاءاً بالحذاء النظيف ..

وعذر الآباء والأمهات هو قلة ذات اليد ، والضائقة المالية ، والراتب الذي يسحقه آجار البيت والمصاريف والغلاء سحقاً ..!!

ولكن كيف فجأة تظهر الأم في حفلة أختها بثوب أنيق وفاخر ؟

ويظهر الأب في اجتماع عمل يحضره المسؤول الفلاني بطقم رسمي جميل ؟

ومن أين تنبع علب المكياج والعطورات والمساحيق وملمعات الأحذية ؟

ولماذا سعر حذاء الأب عشر أضعاف سعر حذاء ابنه ، ونظارته الشمسية أكثر متانة من نظارة ابنه الطبيّة ؟

ولماذا نرى الأطفال في بعض الأحيان في الطريق يرتجفون من بردهم بثياب رقيقة ؟

 

لا أطلب من الآباء فوق طاقتهم ، ولا أريد أن أحمّلهم شيئاً يتعلّق بدفع النقود الذي قرفناه من كثرة ما ندفع ..

ولكن الأمر يتعلق أكثر من ذلك ..

أولاً حبنا لأبنائنا واهتمامنا بمظهرهم ، وأن يراهم الناس بمظهر لائق ينم عن أناقة (وليس عن ثراء).

فأنا عندما أقول لابني ارتدِ ما تيسّر ، ودبّر حالك اليوم لآخر الشهر (والشهر يلحق سابقه) ثم يضطر للخروج بمظهر غير لائق فإنني أزرع في نفسه معانٍ كثيرة من عدم الثقة بالنفس ، وقلة احترام الذات امام أقرانه ، والشعور بالدونية ..

وخصوصاً إن كان يعيش في حي من الأحياء المتوسطة التي يعيش فيها الميسورين  مع المقلين جنباً إلى جنب ..

وهذا الجانب ملاحظ لدى الذكور أكثر من الإناث ، فهن بفطرتهن أكثر اعتناءاً بالمظهر والهندام ..

 

ولعلنا نرى في القرى ، أو الأماكن الفقيرة أطفالاً يبدو عليهم الأناقة والنظافة ، ونرى في المولات الفخمة أطفالاً بثياب يبدو عليها الغلاء ، ولكن لا أناقة ، ولا هندام ، ولا شعر منسّق ..

وألاحظ كثيراً أن الولد يخرج إلى المدرسة أو غيرها وقد بان عليه أنه ارتدى ثيابه وحده ، وهيئ نفسه للخروج من المنزل بشكل فردي ، فيما الأم تغط في نوم عميق ..!!!

فالأمر لا يتعلّق بالتفاوت الطبقي ، وإنما يتعلق بالتربية والاهتمام بالأبناء والشعور بالمسؤولية تجاههم ..

 

فماذا يكلف الأم أن تبلل شعر ابنها بالماء وتسرّحه بمشط رخيص قبل خروجه للمدرسة ؟

والأمر الثاني يتعلق بالتربية ، فأبننا ليس عليه أن يكون مهندما ومرتباً فقط أمام الناس .. بل في بيته أيضاً ، ويجب ألا يرى أباه في البيت بمظهر مناقض لمظهره في الخارج ، وكذلك

الفتاة بالنسبة لأمها ..

بعض المظاهر التي رأيتها في بعض المناسبات جعلتني أتأسف ،حيث رأيت الفتى ابن العشر سنين بمظهر مزري جداً في حفل فخم ، ثم ركض إلى والده ليجلس في حضنه ، فمنعه الأب ثم نفض ثيابه لئلا تكون قد تغبّرت من ابنه ..!!!!

 

رآني طفلي الصغير السنة الماضية أركض إلى قدميّ والدي أنزع عنه جاربيه ..

فكشّر مشمئزاً ووضع أصبعه الصغيرة على أنفه بطريقة أضحكت الجميع ..

فقلت أمام الجميع:

إنني متيقن أن جوارب أبي في نظافتها وطهارتها كنظافة وطهارة المنشفة التي أجفف بها وجهي ..

لم يسبق أن رأينا أبانا طوال عمرنا يظهر غير لائق ، أو شممنا منه رائحة منفرة .. وبالتالي لم تسمح لنا أمنا إلا أن نكون مثله .. !!

2011-02-02
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد