الأثنين 14_2_2011
جلس صاحبنا هذا يا سادة يا كرام مع صديقه يخبره بقراره الذي أتخذه بحق قلبه و نفسه، و هما يرشفان القهوة و يحرقان بلهيب سجائرهما ما تبقى لهما من أفكار، و من يراهما يحسب أنهما فيلسوفان طحنهما هذا الزمن، يمشطان لحاهما بالخبرات المعتقة.
نصيحة منه و نصيحة من صاحبنا، و أنفضت هذه الجلسة بقرارات مع وقف التنفيذ.
و بدون أن ندخلكم بمتاهات أنتم في غنى عنها، دار السيناريو التالي:
بأمر من العقل، الملك المفدى على مملكة الجسد، يتم ما يلي:
سجن النفس في وادٍ سحيق مع الحزن، على أن يتم أستيراد خمرة الذكريات المرة المسكره من مخازن الماضي البعيد.
عزل كل من الصدق و التسامح و ملاحقتهما و إغتيالهما، و تعيين كل من الكذب و الخداع و الغضب، حيث يعين الكذب و يكون الناطق الرسمي لمملكة الجسد، و يكون الخداع و الغضب اليد اليمنى للعقل.
و بعد تنفيذ هذه الأوامر، جلست كل من النفس و الحزن و هما يسكران، و إذ بشبح يتجلى أمام النفس و هو غير مصدق لما يراه.
النفس: من، أخي القلب، ألم تمت، أشتقت إليك، أنظر إلى حالي بعد قتلك، أنظر أين سجنت، آخ منكما، لماذا فعلتما بي هذا.
القلب: أخي النفس، إهدأ لا تخف، فأنا إن شاء الله لم أمت، لقد صعدت إلى ربي ليداوي و يشفي جراحي، و إني لسأعود بعد ذلك.
النفس: أما زلت تتكلم و تصدق وعود الأمل، لقد رأيتك بأم عيني تلفظ أنفاسك الأخيرة، أبعد كل هذا تعدني بأنك ستعود.
القلب: فليهنأ العقل بحكمه للجسد، فالله لن يرضى بقراراته الظالمة و الباطلة، و سأنتصر بمشيئة الله، و سندخل نعيم الحب.
تجرعت النفس من خمرة ذكريات الماضي رشفة، فبانت أمامها الحقيقة المؤلمة.
النفس: ألا تذكر يا أخي القلب، ذاك الذي تركك على أهون الأسباب، و ذاك الذي أستغلك و سرق من أموالك الشيء الكثير، و ذاك الذي خانك و لم يأبه بعشرة العمر و الخبز و الملح، و ذاك الذي أغلق قلبه و مزق جميع المعاهدات التي بينكما، و ذاك الذي هرب منك خوفاً من أن تطمع به، و ذاك الذي يجافي النسيان و هو غارقٌ بآلامه، و ذاك و ذاك و ذاك.
القلب: و ما لي بهم، ألم تتذكري الخير الذي صاحبناه معهم، ألم تتذكري الأفعال التي قمنا بها، ألم تتذكري الإنجازات التي بنيناها و الحواجز التي هدمناها، ألم تتذكري أن الله سيحاسبنا على ذلك و لن ينسانا في هذا الزمن، يكفيني أنا شرف المحاولة، و أن أترك النتائج و الأقدار التي قدرها الله، لله فقط.
صحت النفس من سكراتها، و الأمل يحاول أن يتسلل إلى هذا السجن،واعداً بإنتصارٍ سحيقٍ للقلب.
جلس العقل يفكر بملكه على الجسد، و كيف سيبرم العهود و الإتفاقيات مع العقول الأخرى التي بسطت سيطرتها على ممالك الأجساد، حتى يدخل نعيم الحب، الذي كان و لا زال حلمه و حلم عدوه اللدود، القلب.
سعيدٌ بأنه بات يرى نتائج أستلامه لمقاليد الحكم في هذه المدة القصيرة.
فما رأيكم بصاحبنا هذا، أيبقي عقله مستلماً للجسد، ساجناً نفسه مع الحزن، أم يرجع قلبه المجروح على أمل أن يداويه و يشفيه الله؟
سؤالٌ لم يجد صاحبنا هذا جواباً شافياً له.