جلس صاحبنا هذا يا أحبة، في هذه الليلة الساكنة، بعد أن كاد يغرق في ذلك اليوم من الأمطار التي بعثها الله، مع أنه يعلم بأن المطر خير
إلا أنه كان دائماً يكره تلك الأيام، فهي تشعره بالكآبة، و بإعتقاده بأن السماء تبكي في تلك الأيام، كما يبكي هو عندما يكون لوحده.
وكما قلنا أنه كاد أن يغرق في ذلك اليوم، فقد غرق منذ عدة أيام بسيكولوجية نفسه و عقله و قلبه، و كأنه حاصلٌ على أعلى الشهادات في علم النفس الفرويدية، فوجد سؤال، لطالما دار في باله، ما هو الأمل؟
ذلك الشيء الذي كانت تذكره فيروز الغالية بأغانيها، توصفه مرات بصفات جميلة، بأنه كبير، و مرات بصفات ذات معنى، بأنه صغير، و مرات تتهكم عليه، إيه في أمل، و أنه يأتي من الملل.
صاحبنا هذا كان يحاول أن يبحث عن الأمل في عيون الناس، فالفقير يعمل على أمل أن يصبح غنياً، و الغني يعمل على أمل أن يصبح أغنى، و الفلاح يعمل على أمل أن يحسن وضعه، و طالب العلم يعمل على أمل أن يعيش في هذا الزمان، و الكل يعمل على أمل شيء ما.
و بعد صَوّلٍ و جَوّلْ، و بحث و تمحيص، و متابعة لهنا و هناك، عرَّف صاحبنا الأمل كما يلي:
"الأمل: هي تلك المعادلة اللاخطية التي تظهر في حياة البشر دون أن يعرفوا نتائجها، و تؤدي إلى تغيير مسار حياتهم بشكل جذري"
صحيحٌ كان هذا التعريف أم لا، فقد وجد أنه الأنسب لتعريف الأمل.
و لكن ماذا يفعل من فقد الأمل، و كما نعلم المثل القائل فاقد الشيء لا يعطيه.
و بعد هذه المقدمة الطويلة جداً عن الأمل، دار لقاءٌ صحفي بين هؤلاء الثلاثة الذين يجعلون من صاحبنا هذا إنسان، و كان كالتالي:
القلب: تسألني عن صاحبي الأمل،لطالما بحثت عنه، و عندما أجده، يعدني بوعود و أصدق وعوده، و لكنه يخونني دائما، ففي كل مرة يقول لي أنه سيفعل و يتكلم مع القلوب الأخرى لندخل نعيم الحب ممسكين بأيدينا معاً، و يخذلني دائماً، مما يؤدي بي إلى الإنكسار و مرافقة الحزن، فأسكرُ معه بخمرة ذكريات الماضي.
العقل: ماذا، الأمل (يضحك ساخراً)، لا وجود لذلك الشيء في حياتي، فأنا أتعامل مع الأمور بمنطقية، فلكل أمر مدخلات و مخرجات، فإن كانت مدخلاتك صحيحة فستكون مخرجاتك صحيحة، و العكس صحيح، لا يكون التعامل مع العقول الأخرى إلا بالمنطق، فهو سيد الأشياء، فيجب عليك أن تعطي حتى تأخذ، و في بعض المرات تأخذ قبل أن تعطي و يفضل أن لا تعطي أبداً، و تأخذ فقط.
و قد علق القلب على كلام العقل الأخير فقال
القلب: أنا لا أنتظر الأخذ من أي أحد، و ُأفضِلُ أن أعطي دائماً، فلماذا أربط نفسي بدائرة الأخذ و العطاء، فلا مصالح لي مع أحد و كل ما أريده هو أن أحقق حلمي الوحيد وقد تكون هذه مصلحتي الوحيدة فقط، و هذا ما يدفعني لأن أصاحب الأمل.
العقل: ها قد قلتها يا قلب، بعظمة لسانك، و لتحقيق هذه المصلحة، يجب أن نتعامل بالمنطق، فالدنيا كلها مصالح، و هو ما يفرض علينا ذلك، إذاً لا وجود للأمل، و هو المطلوب برهانه.
و عندما سألنا النفس عن الأمل
النفس: أنا كما تعرفوني مشتته لا أعلم رأسي من رجلي.
أفتعتقدون أن هناك وجود للأمل كما يعتقد قلب صاحبنا هذا، أم أنه أسطورة و خيال أخترعه قلبه، كما يعتقد عقل صاحبنا هذا، و هل ستظل نفسه مشتته دائماً بين هذا و ذاك. فأنصحونا يا أحبة، عسى صاحبنا هذا يستمع إلى نصيحة أحدٍ منكم، فقد مللت من نصحه.