في إحدى قرى مدينة طرطوس وعلى مسافة 30 كيلو متر تقبع قريتي البسيطة الجميلة على سفح جبل يرتفع نحو 800 متر عن سطح الأرض, هي ببساطة مؤلفة من عائلتين وخمسا وعشرين بيتا, تتناوب البيوت بين القديم الحجري والحديث من البلوك
تبتعد قريتي عن الطريق الفرعي نحو كيلو متر ويبتعد الطريق الفرعي عن أتوستراد طرطوس اللاذقية نحو 18 كيلو متر , تغزو نباتات الحبق والقرنفل والعطرة واجهات البيوت البسيطة تحت مظلة من العنب البلدي أو تحت سنديانة كبيرة أو تحت شجرة جوز لتركب أجواء عفوية أبطالها هم أهل البيت والذين يتسامرون بالحديث عن نوادر ح وطرافته في مغامراته مع الضباع والأفاعي ,,,,من وحي خياله طبعا,,أو في الحديث عن المحصول المنتظر من ألاف أشجار التفاح والزيتون........
هم عزيزي القارئ من البساطة بحيث تعني لهم دمشق هذا السفر البعيد المتحضر المتمدن . تحد قريتنا من الجهات الاربعة أحراش السنديان والبلوط ,,,,,تتخللها مئات شجيرات التين والبطم والديس البري .... في الليل لا يتحرك إلا ضوء الطائرة في السماء بين ألاف النجوم المترامية الحالمة الهانئة بينما يخرق صمت الليل أحيانا عواء قطعان ابن أوى والتي تذكرك بين الفينة والأخرى بأنك لست الساكن الوحيد في هذت البقعة الحالمة,,,,,
انها من الروعة بحيث انك لا تتمنى النوم أبدا وعندما تنام فإن بضعة ساعات تكفيك لتستيقظ وتراقب الندى الذي غطى كل شيء وبلل صحن الموالح المنسي على طربيزة السهرة ,,,,تقبع أمامه كاسة المته متعبة من المص والشروقة........
جميع الناس في قريتي يعلمون أبناءهم قول ,,السلام عليكم ,,,أو الله يعطيك العافية ,,,وان كان هناك قطيعة فمرحبا هي أقل الإيمان , من المستحيل أن تستيقظ يوما إلا و أن تشرب حليبا طازجا من , بقرة جيراننا, وان لم يكن حليبا فلبن رائب وإن لم يكن كذلك فهو زبدة بلدية مملحة مع رغيفين من خبز التنور الطازج,,,,,,أنت تعيش بين أناس لا يتعلمون إلا لغة الصدق والمحبة ,,,,لا يأكلون إلا ما هو طازج وطري ونظيف لن يفهموا عليك إن حدثتهم بلغة الفيس بوك أو التويتر ,,,فهم لا يحلمون بأكثر من بيع المحصول وثمرة البندورة وحبة التين الرطبة ..... والكلمة الطيبة لهم تعني الكثيير الكثير ,,والكرم لديهم شيء بديهي ....
ان استضافوك جادت سفرتهم بكل ما هو بلدي وموسمي دون أي تكليف أو خجل ,,,,وإذا مرض أحدهم فهي الفرصة لدكان البقالة لكي يطلب طلبية محرزة من مجمع الشوكولا الذي يحملة جميع الزائرين ......
ذلك الدكان الذي مازال حتى اليوم يجني ربحه البسيط من كيس الديربي وقطعة السويس رول ...التي تنتجها معامل بسيطة لا أدري كيف تربح ؟؟؟؟
عندما تصادف عجوزا فأنه سيقدم لك فورا بضعة من ثمار الجوز أو الزعرور أو وفي أحسن الأحوال سكر نبات ,,,,, لم أسمع يوما في ضيعتنا بمرض السكري ,,,أو القلب ,,,أو السرطان .....
لا يدخنون إلا الدخان العربي الذي قصف عمر جدي عن عمر يناهز 98 عاما ,,,, قصص الكبار رائعة أكثرها عن جهادهم مع الشيخ صالح العلي ضد المستعمر الفرنسي, عندما أجلس مع أحدهم يروي لي قصة حبه مع زوجته المرحومة والتي دفنها في فناء المنزل ليقول لها كل صباح,,,,, صباح الخير أم فلان.......
لا أعلم إن قرأ يوما روميو وجولييت ولكننني متأكد من قصة رائعة تضاهيها غزلا ووفاء,,,,روى لي يوما أنه قطع أربعة أيام ليراها وانها خشبت عليه من العودة وحيدا فرافقته الليل بطوله وعادت في الصباح على الحصان وحيدة ..........
تترقرق الدموع لتسيل في أخاديد حفرتها 102 عاما على وجهه لتتلاشى في لحيته الخفيفة البيضاء,,,يتناول غطاء رأسه, ليمسح عينيه ويقول رحمها الله ......خلال سبعة أجيال في قريتنا لم نسمع يوما بحادثة طلاق أو دعارة أو خيانه ,,,,فالفرح فرح الجميع والهم هم الجميع وكل صاحب دار مسؤول عن داره ,,,لا أدري كيف وأين تعلم الناس كل هذا الحب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الشتاء في قريتنا جفاف ورق التين ,,,ورياح خريفية تحمل أوراق الخريف البانوراميه ,,,,الملونة والتي تشابه معاطف سكان القرية والتي لا تتغير إلا مرة واحدة كل عشر سنوات على الاقل ....... لا يزال الحب والدفء يتجاوران حول موقدة الحطب التي لا تعرف إلا السعير لتدفأ الأقدام المبللة ,,,المتجمدة .....عند انقطاع الكهرباء يكسر سكون الليل صاعقة شديدة وكأنها تقول لك ,,,,,الله أكبر ,,,,,ينطق الجميع ...
حبات البلوط تفرقع على سطح المدفأة ورائحة الحطب تنتشر في كل مكان ........ليلا ونهارا ......تغيب شمس الشتاء باكرا وتغيب معها أيام السمر العذبة ...... ننام في دفء وسكينة وسلام,,,,نرعى الحب في صدورنا لنخرجه مع نسائم الصيف وليالي السمر الفكاهية ,,,,التي لا يمكن أن تنسى عفويتها وبساطتها ......
ان ما عشته في قريتنا من محبة وسلام يضاهي كل الدنيا جمالا ,,,فالسعادة من منظوري طمأنينة القلب والروح....فمرحبا بكم في قريتي ,,,مع كل حبي ومودتي وصدقي.........ا