تختلف الأمم بتطلعاتها لمبادئ المساواة والعدالة , فبين عبارة "لا أحد فوق القانون " وعبارة "أنا فوق القانون " أو حتى " أنا القانون " بون شاسع من التمايز الحضاري وحتى الوجداني
و تنمو بذرة هذا التمايز بداية من نظرة الإنسان - هذا الكائن الاجتماعي- إلى حق الآخر في القول والفعل أيا كان هذا الآخر شخصية حقيقة أو اعتبارية .و يتوضح ذلك داخل كل منا من خلال الأسئلة التالية :
هل أسمح لهذا الآخر إن كنت في موقع القوة بمخالفتي رأياً أو عقيدةً ؟
هل تسمح مبادئي لأحد ما أن يتعارض فكرياً أو سلوكياً مع قناعاتي ؟
أم أنني أعتبر كل من يأتمر بأمري وظيفياً أو اجتماعياً مسخراً لتحقيق أفكاري أو حتى أحلامي !
وإذا ما نظرنا إلى مراحل تطور الحياة الاجتماعية وفق النظريات المختلفة لنشوء الأمم من الحالة الفردية إلى الحالة الجماعية وصولاً إلى الأمة في أعلى مستوياتها لتبين أن الإنسان قد مر من مرحلة " أنا القانون " حينما كان متوحشاً يمتهن الصيد ولا ينصاع لأي أوامر خارجية و القانون يصنعه الأقوى أو الأكثر وحشية إلى مرحلة "لا أحد فوق القانون " حينما وصل الوعي إلى مقولة " تنتهي حريتي حينما تبدأ حرية الآخرين "ولم يتم هذا التحول إلا بعد أن أدرك الإنسان ضرورة القوننة أو التقنين الذي هو تحويل مبادئ وقيود العلاقات الاجتماعية إلى تشريعات تنظم علاقات الأفراد بين بعضهم وعلاقات الفرد بالمجتمع الذي يعيش فيه
ويتوجب عليه أن ينصاع لقيمه وأهدافه ولم يتم ذلك بين ليلة وضحاها وإنما مرّ بأشكال مختلفة من النضال والثورات ومن ثم تمايزت الشعوب في تطبيقها لمبادئ العدالة الجدلية المختلفة على امتداد كوكبنا هذا ففي بقعة تسود مقولة قانون الغاب " أنا القانون "وفي بقعة أخرى تسود مقولة العدالة " لا أحد فوق القانون " .
لو تسألنا : من فوق القانون ؟
لقلنا إن الموظف الذي لا ينفذ تعليمات الإدارة ولا تحاسبه الإدارة هو فوق القانون والمتعهد الذي يغش ويخالف الشروط والمواصفات الفنية ويتم استلام عمله على أنه مطابق للشروط والمواصفات الفنية هو فوق القانون و المسؤول الذي يرفض تطبيق القانون أو يطبق القانون على هواه ولا يوجد من يسأله أو يحاسبه هو فوق القانون و المسؤول الذي يتجاهل تعليمات وتعاميم رؤسائه هو فوق القانون والطالب الذي يتغيب عن المدرسة ولا يدرس ويتفوق بالنتيجة على زملائه بعلاقات أبيه وأمه هو فوق القانون والمواطن الذي لا ينفذ القانون ولا يحاسبه أحد هو فوق القانون والحرامي الذي يسرق والموظف الذي يرتشي والابن العاق والابنة الجاحدة فمعظمنا إذن فوق القانون .
ولو تسألنا : كيف صرنا فوق القانون ؟ ولماذا نحن فوق القانون ؟
لكان الجواب إن من يحافظ على حرمة وهيبة القانون هو الذي خذل القانون وهم القاضي الذي يرتشي لينصر الباطل على الحق والشرطي الذي يحول المخالفة للقانون إلى وسيلة للرشوة والمهندس الذي يسمح للمتعهد بمخالفة الشروط والمواصفات الفنية لقاء استفادة مادية أو معنوية والمدير الذي يحارب الشرفاء ويقوم بتهميشهم والمدرس أو المدير الذي يعامل الطلاب استناداً إلى من هو أبوه أو من هي أمه والأب الذي يربي ابنه على الاستفادة من الدولة والأم الذي تسعى لتزويج ابنتها من مستفيد و الساكت عن الحق وموظف الجمارك وعنصر الأمن والجابي والتموين ونحن حينما نعامل الشريف على أنه غبي والمرتشي على أنه عبقري و.. و...فمعظمنا إن لم نقل كلنا خذلنا القانون .
ليس كل من مرّ من هنا يقول أنا هنا ؟
فتعالوا إذن لنتفق ألا نرشي وألا نرتشي علنا نحفظ البقية الباقية من كرامة هذا القانون فيبقى في دمنا أثر من عزة وفي وجهنا لمحة من حياء وفي روحنا ومضة من نقاء .