شبه الصينيون القدامى الوعي الإنساني بضوء القمر، فكما ضوء القمر ينير كل شيء بصورة متماثلة دون أن يخصص مكان بنور أكثر من غيره، كذلك يجب أن لا يستقدم الوعي الإنساني أفكاراً على أفكار بل أن يستقبل العالم كما هو.
وكان ذلك يدرس لديهم في الفنون القتالية كمبدأ للوصول إلى التركيز الكامل القائم أساساً على النظرة الشمولية للمحيط.. فإذا قام المقاتل أثناء النزال بأي محاكمة ذهنية أو استخدام لعواطفه والأسوأ من هذا كله إذا قام بتركيز نظره على أيدي أو أرجل الخصم فإنه، وبكل الاعتبارات، يجب أن يخسر النزال. لأن تدخل العقل هنا غير مطلوب هنا بل تترك عملية الإشراف على هذه المهمة لما يسمى انتظام ردود الأفعال، والسبب ليس فقط قصور العقل عن مجاراة التقنيات ذات السرعة العالية، بل أيضاً في وجود عدد كبير من الخصائص الخاصة بكل تقنية والتي يتم تغييرها جميعاً في لحظة زمنية واحدة وهكذا يأتي اللاشعور ليحل هذه المشكلة بدلاً من المنطق.
إذا فاللاشعور هو درجة متقدمة من درجات الإدراك وهي تنتج من خلال الخبرة والتكرار المستمر للعمل تحت إشراف العقل كبداية قبل أن يرسخ العمل ويرتقي إلى الإدراك اللاشعوري.
من جهة أخرى يشبه الوعي الإنساني الذي نستقبل من خلاله العالم المحيط بسطح الماء الراكد. فبمقدار ما يكون وعينا صافياً فإننا بالتأكيد سنستطيع أن نستقبل العالم المحيط بصورة متماثلة حقيقية كما يعكس الماء مايحيط به دون أي تشويه. أما لو هبت ريح خفيفة على سطح ذلك الماء؟؟! ستتشوه معالم الصورة بنفس الطريقة التي يشوه بها العقل البشري ما يستقبله الإنسان بتأثير بعض الأفكار المسبقة التي يتم النظر من خلالها.
نحن اليوم خلاصة أفكارنا وأفعالنا التي قمنا بها بالأمس وسنكون يوماً ما خلاصةً لما نقوم به اليوم أي أننا نستطيع بالتأكيد صنع عالمنا اللاشعوري من خلال أفكارنا النيرة. لكن هل نستطيع التحكم بأفكارنا؟؟!! لنأخذ شهيقاً و من ثم لنقم بزفير كامل و لنبقى من دون هواء و دون أي شهيق لعدة لحظات. وهكذا حتى أول شهيق لن تجول في رأسنا أي فكرة. إن مشكلة السيطرة على الوعي بحد ذاتها كان بإمكانها أن لا تكون لو استطاع الإنسان العيش لفترات طويلة دون القيام بعملية التنفس لكن هذا أمر خيالي غير واقعي ومن هنا تأتي أهمية اليوغا في التحكم بالتنفس والأفكار.
إن الإنسان لن يستطيع أن يعيش بصورته الراهنة، حيث ينتظره الفناء الروحي والجسدي في آن واحد، والسبب هو أسلوب الحياة المعاصرة والاعتماد الكبير على التكنولوجيا المترافق مع الابتعاد عن الذات وعن اللحظة الزمنية الحقيقية التي تعتبر بكل المقاييس مؤشر الحياة فهل نستطيع أن نعي أنفسنا إلا في نفس اللحظة الزمنية التي نقرر فيها ذلك. وهل إعادة الماضي أو القفز إلى المستقبل إلا مجرد خيال؟!. لنعش اللحظة الحالية والحالية فقط بعيداً عن كل الحسابات والانشغالات الذهنية التي تبتعد بنا عن حقيقة الإحساس بالحياة عندها سيصبح سهلاً علينا أن نفهم شعور البعض بتوقف الزمن في اللحظات السعيدة.