أصدقائي القراء
ها أنا ذا أعود إليكم لنكمل ما تبقي من قصتنا ونتابع أحداث السلسلة الثالثة ولنبقى معاً
.................................
حزم الأب أمتعته واستعد للرحل بعد وصول طلب الزيارة للقاء زوجته وطفله بعد كل سنوات الفراق .. تاركا خلفه دموع طفلتيه وزوجته التي لم تكن بقليلة أيضا..
كانت تحرض ابنتيها على أن يتشبثن بابيهن .. لأنها كانت تخاف عليه من أن تفقده ..
لم يكن الأب سهلا فكان يجلس فترات طويلة يكلم بناته عن سبب ما حدث وزواجه وعن وجود
أخ بحياتهن طالما بحثن عنه ..(ولكن هيهات لأن يكون أخ لأنه من أم أجنبية ولا يعرف حتى لغة للتفاهم مع أخواته فكيف بأن يكون إلى جانبهن ولكن هو ذا العقل لبعض البشر بقولهم أخ ).
حانت ساعة السفر وودع الأب ابنتيه لملاقاة زوجة فارقها منذ 19سنة .. كانت هواجسه كثيرة .. كيف سألاقيها؟ كيف أصبح شكلها الآن؟ كيف ستنظر إلي بعد كل هذا الغياب . كيف سأبرر غيابي ؟ هي هواجس تنتاب أكثر البشر حتى لو كان لقاء أصدقاء بعد طول غياب . فكيف يكون فراق وجرح وألم وهم وعمر مضى فيه كل نبضة بألم وتنهيدة بغصة..
وصل الأب المطار وكان باستقباله زوجته بينما الولد لم يكن معها . لم يستطع الأب السؤال عنه . ولكن كل شيء فيه يسأل .فكانت المبادرة من زوجته انه رفض القدوم معها . لأنه لا يعرف ما معنى أب .
ورافض لوجود أب تناساه كل هذه السنوات.
كان الأب يستشاط غضباً من تصرفات ابنه ولكن لم يكن يجرؤ على التفوه بكلمة لأنه لا يملك حق الكلام أو أي تصرف هو من حق الأب . ولا واجب من واجبات الابن تجاهه. كل هذا كان حديث طويل بين الزوجين الغائبين أنساهما نفسهما وشوقهما وحبهما الذي دفن وكان في سبات طوال سنوات لم ينفجر حتى لحظة اللقاء.
كان أكثر الحديث عن طباع الولد وكيف يتصرف وكيف يمكن للأب أن يستميل قلب ابنه وكيف يمكنه أن يخرجه من هذا الحاجز واتفقا على أن يكون التفاهم هو سيد الوجود وان توفق الأم بين الأب وابنه.
خلال هذه الأحداث كانت تمشي الأيام قدمت خلالها ألام على أجازة لترى ما ستؤول إليه الأمور بين زوجها وولدها الرافض لوالده . وأيضا كان لابد من توثيق عقد الزواج بالمحكمة وإجراء التحاليل الخاصة بنسب الطفل ليسجل على اسم والده ويمنح جنسيته على أساسها.
لم يكن الأمر سهلا على الجميع فقد كان أشبه بامتحان وأي امتحان استطاع الكل خلق جو الأسرة من خلاله وتحت رعاية الأم والأب بدا الولد يهدأ ويحن لوجود أباه وذلك بفضل وجود الأم وجهودها وذكائها كما أن الأب أيضا لم يكن وجوده بسيطاً و تعامله بكل كان يجيد التصرف بكل براعة في استعطاف قلب ابنه كما أن بعض الأصدقاء القريبين من الشاب الذي كان دائما يعبر لهم عما بخاطره وإحساسه بحاجته لأب لا يعرفه ولا كيف هو شعور الابن .وهذا ما كان أيضا عاملا مساعدا ليتعدا محنته.
تغيرت الأحداث بعد أيام وساد جو العائلة بين الجميع وكان هذا الشعور هو قمة السعادة للام خاصة زوج عائد وابن مولود من جديد وإحساس أجمل من أن يوصف .. أمضوه برحلات ومتنزهات وحياة مملوءة بالسعادة والفرح ساد خللها شعور الزوجية والحنين للزوجة التي كانت تزداد جمالا بلمسات زوجها وحنينه واشتياقه .. فالوردة أجمل ما تكون بوجود بستانيها وخصوصا بعد سنوات من الغياب لم تكن قليلة عليها ..
لم تكن فرحة الولد بأبيه العائد قليلة فعزم على أن يحتفل بأبيه وسط أصدقائه وصديقاته وخاصة جورجيا التي كانت هي اقرب الناس إليه والتي كان أكثر الحديث عنها بين العائلة لأنها ذات علاقة مميزة به وصداقة حميمة أشبه بقصة حب خفية بمشاعر طفولة.
مضى الوقت مسرعا ها قد شارف الشهر الثاني على الانتهاء لم تحس العائلة بمضيها . وحان وقت عودة الأب لبلده والزوجة لعملها وهواجس الابن لفراق الأب من جديد بعد أن اعتاد عليه .دعا الأب زوجته وطفله للعودة معه لبلاده . ولكن كيف ستترك الزوجة عملها وبيتها ومجتمعها وكيف يمكن للولد أن يعيش بمجتمع لم يعتاده ودراسته كيف سيكملها وكيف له أن يترك أصدقائه وخصوصا جورجيا.
كان إلحاح الأب كبير على أسرته .. بينما كانت الزوجة تصر على إقامة الزوج معها ومع أبنه وستمنحه كل ما يريد من اجل استمالته وبقائه معها . على انه يمكن أن يذهب لأهله كل فترة معللة أنه من حقها ومن حق ولدها أن يبقى معهم مثلما كان لزوجته وابنتيه الحق طول السنين الماضية بامتلاكه .
كان الأمر صعبا على الأب فكيف سيترك عائلة هناك وكيف سيترك عائلة هنا كيف سيكون الأمر على ابنتيه اللواتي لم يهدأ لهن بال طوال فترة بقاء أبيهن الذي لم ينقطع عنهن بالاتصال والاطمئنان عليهن . كان قرار الأب جادا بالرحيل على أن يعود كل فترة بعد أن منح إقامة على اسم زوجته الفرنسية .
لم تحتمل الزوجة فراق الزوج ولا فراق أبيه كان الحنين يجتاح قلوب الجميع والشوق والحب والدفء الذي ولد بفترة بسيطة ليخيم على عائلة ساد جوها الأمان بعد طول غياب .
في صباح اليوم التالي غادرت الأم المنزل لعملها وتعود بعد ساعات لتفاجئ زوجها وولدها بأنها قررت اخذ إجازة طويلة لتمضيها مع زوجها في بلاده .
فرح لأب بهذا القرار أملا في أن يطيب لها المقام هناك والجو ليلم شمل العائلتين ويعيش حياة هانئة , كما انه كان يتوق ليتعرف كلا من ولده وابنتيه على بعضهم البعض .
تجهزت العائلة للرحيل وجمعت ما يلزمها من حاجيات خلال فترة الإقامة ومضت في طريقها بينما الولد كان يودع أصدائه ويخبرهم بأنه سيقضي إجازته الصيفية مع أبيه في بلاده
سافرت العائلة فرحة وحين وصولها تم استئجار شقة مفروشة بحي راقي بالمدينة ومن بعد أن أخذت العائلة قسطا من الراحة غادر الأب لزوجته وابنتيه ليجلبهم للتعرف على عائلته الجديدة أخوهن وأمه. بالفعل هو شعور جميل ولكن فيه من البرود وخاصة حين يكون التعامل هو بالابتسامة الصفراء المبهمة والاستغراب الذي ينتاب البعض من كيفية إيصال المشاعر حيث أن الفتيات لا يجدن إلا اللغة العربية وكانت مهمة الترجمة موكلة للأب الذي كان يعاني كثيرا من هذا الموقف. ولكن بعد انتهاء الساعات الأولى من اللقاء كان هناك مجال للراحة والابتسامات والحركات الجميلة التي تعبر عن سعادة لطرفين وخصوصا الأخ الذي كان فرح بالجلوس بين أختيه..
بعد أيام ووسط فرحة الأهل بالتعرف على ابنهم الجديد وأمه كان الكثير من الأقارب يتوافدون للتعرف على الشاب من أعمام وأبناء عمومة والناس المقربين جدا بكل فرح وسرور ووسط دعوات وعزائم وولائم احتفالا بقدوم الشاب الذي كان فرح بهذه الأجواء الحميمية التي عدها بأنها مميزة جدا ووسط الجميع الذي كان يستجمع ذاكرته ليستعيد بعض المفردات الترحيبية باللغة الانجليزية والبعض الآخر بالفرنسية . ولكم أن تتخيلوا طبيعة مثل هذا الجو ووسط الضحك والمزاح أما من لا ناقة له ولا جمل في هذه الأمور كان يقف جانبا مرسلا بعض الابتسامات البسيطة على انه موجود من ضمن هؤلاء الناس
مضت أيام وكان الشاب يقضي كل الوقت بين أخواته حتى ولو لم يكونوا يعرفون الكلام ولكنه كان طوال اليوم يحاول أن يتعلم اللغة العربية بمساعدتهن طبعا ولم يشعرن أبدا بالغربة بينهن وبين أخيهن الذي كان قد جلب معه كيتار يعزف لهن . كما كان يكلمهن عن جورجيا صديقته ولكن بالفعل هو شعور لا يوصف كيف كان هناك انسجام أو تفاهم بينهم لا احد يعرف فكان الجميع يستغرب جلوسهم بالغرفة طوال اليوم بضحك ومزح وعزف وغناء باللغة العربية مرة ومرة بالانجليزية ومره بالفرنسية والاسبانية .وسط ضحك يعم أرجاء البيت
أما الأب كان يقضي اليوم بين زوجتيه كانت الفرنسية طيبة جدا جدا بينما العربية يا إلهي لم تكن تناظرها بعين كاملة بل بنصف عين وبتفحص (من فوق لتحت) . لتطلق بعض التعليقات أمام زوجها الذي كان ينصحها بان لا تعيدها أبدا
و الفرنسية كانت تقول اشعر بعدم ارتياحها إنما أنا هنا لبعض الوقت ولكن بالتأكيد سأرحل وستكون بكل ما فيك لها كما كنت سابقا .لينفي الرجل ما تزعمه الزوجة عن إحساسها ولكن هيهات لأن يكون إحساس خاطئ
لم يكن الوضع سهلا على الأب بقدر ما كان ابنه فرحا وسط أهله بقدر ما كان يشعر بمعاناة زوجته الأجنبية من تصرفات الزوجة وبعض من أهل الزوجة وخلال ذلك قرر بأن تكون الاجتماعات قليلة بين الزوجتين وعدم الجمع بينهما بينما الشاب كان دائم التردد لبيت أبيه والفتيات أيضا للزيارة أخيهن في بيتهم المستأجر
يوما من الأيام وبينما كانوا يجلسون ووسط هدوء تام همس الابن لأبيه همسا أطلق الأب ضحكة طويلة وقهقهة لفتت انتباه الجميع وتعجبهم واستغرابهم !!!!
خجل الابن من ضحك أبيه الذي اعتذر عن هذه الضحكة ولكن كان الفضول ينتاب الجميع لمعرفة ما سأل الشاب وعن سبب ضحكة الأب !!!!
ولكن يا ترا ماذا تتوقعون كان سؤال الشاب ؟
كان سؤالا عاديا جدا بنظر الابن ولكن هو بمجتمع عربي لم نعتاده .
كان سؤال الشاب بأنه أمضى وقتا طويلا هنا ولكن لم يلاحظ أصدقاء لأخواته ويقصد بالسؤال (بوي فريند ) أي أصدقاء شباب لأخواته . كما هي علاقته بجورجيا صديقته وكيف يمكن ألا يكون لهن أصدقاء وما المانع من ذلك معتقداً أنه أمر طبيعي كما اعتاده في بلاده
وما أن انتهى الأب من كلامه وترجمة ما قاله ابنه حتى انطلقت ضحكات
الموجودين عالية ليجيب الأب ابنه عن سؤاله بهدوء ويفهمه أن هذا الأمر لا يمكن أن يكون
بمجتمع عربي مسلم , ربما هو صعب على عقل ابنه ولكن كان الابن يحاول بالتدريج إفهام الابن عن بعض الفوارق التي يمكن أن تكون بكل المجتمعات وأن كل مجتمع له عاداته وتقاليده وحريته ببعض الأمور وتقييده بالبعض الآخر.
هنا أصدقائي انتهينا من الأحداث المهمة في قصتنا
في الحلقة القادمة والأخيرة سنتوقف عند ما آلت إليه الأمور مؤخرا وعن مصير الابن وأمه والأب كما سنتوقف ببعض المواقف الطريفة التي حدثت بين كل من العائلتين .
يتبع................