مقدمة
إن المبادئ والقيم والأخلاق هي معان حسية مجردة ليس لها وجود مستقل في الواقع فلا بد لها من أداة تظهرها وحتى مع وجود هذه الأداة التي هي الكائن البشري الذي يحملها فلا يمكن رؤيتها إلا من خلال تصرفات وأفعال هذا الكائن فما من معنى للإنسان الأخلاقي أو صاحب المبادئ أو الذي يحمل قيم ويحافظ عليها إلا من خلال تصرفات وأفعال هذا الإنسان ولا يمكن مثلاً أن نتخيل إنسان أخلاقي كما نتخيل إنسان طويل أو قصير أو جميل فلا بد من ربط هذه المعاني بتصرفات وأفعال فنستطيع أن نقول إن الإنسان الأخلاقي مثلاً لا يكذب ولا يسرق ولا يرتشي , يحترم الآخرين ويطبق القوانين
تعريف
الموظف الحلم هو الإنسان الأخلاقي المتمكن فنياً وإدارياً عندما يطبق مبادئه وقيمه في عمله فهو لا يكذب ليتهرب من تحمل مسؤولية وهو لا يسرق ما تم إتمانه عليه وهو لا يرتشي ويقوم بعمله بأمانة وإخلاص ساعياً لتحقيق المصلحة العامة حتى وإن تعارضت مع مصلحته الخاصة وهو يحترم الآخرين ولا يبخسهم حقوقهم سواء كانوا موظفين أو مراجعين وهو يطبق القوانين ولا يخالفها مهما كانت المغريات أو الضغوطات وهو يقوم بتنفيذ ما هو مطلوب منه بدقة ووعي والتزام , أما أهم المشاكل التي يجب دراستها وإيجاد الحلول لها للوصول إلى الموظف الحلم فهي :
1 - الرشوة :
كما بينت في المقال المعنون " من هم أولئك المرتشين " والمنشور على موقع سيريا نيوز بأن المرتشي هو من قبل استفادة مادية مقابل قيامه بواجبه الوظيفي أما الرشوة الملعونة براشيها ومرتشيها والوسيط بينهما في أدبياتنا وثقافتنا وعقائدنا فلها أسماء مختلفة تبدأ من الإكرامية إلى ثمن فنجان القهوة إلى مصروف الجيب إلى الهدية متبوعة بعبارة "والرسول قبل الهدية " وتسمى التزييت في بعض الدول ويستمد هذا المعنى من قدرة الزيت على تحريك المعاملة بسهولة من مكتب إلى مكتب أخر وإذا ما بحثنا في أسباب الرشوة لتبين أنها وإن اختلفت أسبابها بدأت غالباً نتيجة الحاجة بالفرق بين الدخل والمصروف
الدخل الذي كان يقتصر على راتب الموظف وانتقل إلى راتب الموظف ودخله من العمل المسائي ثم صار نتيجة الحاجة واختلاف النظرة الاجتماعية لعمل المرأة إلى راتب الموظف وراتب زوجته والدخل الإضافي الناتج عن العمل المسائي والمصروف المتزايد تبعاً لغلاء المعيشة والتضخم الاقتصادي وزيادة المتطلبات وانتقال الكثير من هذه المتطلبات من فئة الرفاهية إلى فئة الضرورية كالدروس الخصوصية والروضة والتعليم الخاص والموازي .
وبداية كان الموظف يبرر لنفسه الاستفادة لسد هذه الثغرة بين الدخل والمصروف وبعد ذلك ونتيجة تراجع المستوى الأخلاقي وانعدام الرقابة وبروز الدور الأساسي لقدرة المال على تغيير الحقائق بغض النظر عن طريقة الحصول عليه أصبحت الرشوة ثقافة لها معانيها ومدلولاتها وطرقها وقواعدها ولربما وصلت في بعض المراحل لتكون لها مدارسها المختلفة ويمكن لمن يرغب الاستفاضة الاطلاع على المقال كاملاً على موقع سيريا نيوز – مساهمات القراء – من أولئك المرتشين .
2 - اللامبالاة والإهمال والتقصير :
إن المشكلة الثانية التي يجب معالجتها للوصول إلى الموظف الحلم هي اللامبالاة والإهمال والتقصير أما أهم أسبابها فهي الفكرة السائدة بين الموظفين بأن الراتب يأخذه من يعمل ومن لا يعمل إضافة إلى أن من يعمل يخطئ ومن يخطئ لا يرحمه ماضيه وما قدم من انجازات وستتم محاسبته وإحالته إلى الرقابة وسيتم التحقيق معه ومعاملته كأنه مجرم والأهم من ذلك أن المحسوبية والواسطة هي السبيل الوحيد للترقية مع ضرورة إثبات الولاء للإدارة والعمل حسب ما تمليه الإدارة ليس ما يمليه الواجب والضمير ولم يأتِ بعد الزمن الذي تتم فيه الترقية اعتماداً على ما يتمتع به الموظف من خبرة أو تفان وإخلاص في العمل بل على العكس أصبحت الخبرة والتفاني في العمل من الأسباب التي تحجب الترقية لما تسببه من خلاف مع المرؤوسين والرؤساء في زمن أصبح فيه الولاء الشخصي للمدير يحمل القيمة المضافة الأعلى للحصول على الترقية
3 - المستوى الفني والقانوني والإداري:
إن المشكلة الثالثة التي يجب معالجتها للوصول إلى الموظف الحلم هي الضعف في المستوى الفني والإداري والسبب الأساسي في ذلك يعود إلى عدم وجود الرؤية الواضحة لدى الإدارة لتمكين الموظف فنياً وإداريا بل على العكس يتم اعتبار المتمكنين فنياً وإدارياً من عناصر القائمة السوداء التي تتم مقاطعتها بسبب ما تشكله من خطر على منصب المدير الذي غالباً حصل عليه بالواسطة أو قام بشرائه من بائعي المناصب في سوق انعدام الضمير
ويأتي الخطر الثاني من هؤلاء المتمكنين نتيجة قدرتهم على التأثير على الموظفين الآخرين بإتباع الأنظمة والقوانين مما ينعكس سلباً على المردود المادي للإدارة القائم أساساً على ضعف العناصر فنياً وإداريا حيث أن الموظف قليل الخبرة هو موظف مرن سهل الانقياد بعكس الموظف صاحب الخبرة الذي يسبب المشاكل للإدارة بتدقيقه على القانون ومخالفة القانون ويضع العصي بالعجلات حسب قولهم بعدم التوقيع قبل التأكد من الشروط الفنية والمالية والحقوقية فخير طريقة للتخلص من التباطؤ في تنفيذ الموظف المتحجر عموماً لأوامر الإدارة السلسة المتنورة بالمبدأ الذي يقوم على الإفادة والاستفادة هو اللجوء و منذ بداية فرز الموظف إلى أي مديرية لحجب المعلومات عنه وإلهائه بالتفكير بكيفية الهروب من الدوام وتأمين متطلبات المنزل أثناء الدوام وشل تفكيره وإحباط روح المبادرة لديه ويضاف على ذلك بالنسبة للسيدات تعلم حياكة الصوف أو شرب القهوة مع المنكهات المعتادة المتمثلة بالتحدث عن الآخرين وذكر مثالبهم وعيوبهم والتفنن في اختراق الحياة الخاصة للموظفات المنتميات إلى الأحلاف المعادية علماً أن تشكل هذه الأحلاف يتم بناء على الموقع الجغرافي للمكتب
أولاً فالعداوة تتم بين المكاتب المتجاورة ضمن نفس الدائرة ومن ثم العداوة التقليدية لعناصر الدوائر الأخرى بحكم الخلاف بالانتماء الدوائري نسبة إلى الدائرة ومن ثم الانتماء المديراتي نسبة إلى المديرية وهذه الاختلاف بالانتماءات يوازي الاختلاف بالانتماء الطبقي لدى المثقفين والمنتمين للمعسكر الاشتراكي الذي محا المجتمع أثره من عقولهن وحل بديلاً عنه الانتماء المكتبي والدوائري والمديرياتي ومن ثم هناك الأحلاف الموضوية نسبة إلى الموضة ضمن نفس المكتب فهناك الحلف الكلاسيكي وهناك الحلف الحديث وهناك حلف الماركات وحلف البالة وأخيراً هناك الأحلاف الفنية كحلف هيفا وحلف نانسي والكثير الكثير من الأحلاف التي يتم اختراعها لتتمكن من التفريق حتى بين أي اثنتين جمعت بينهما الظروف بالكثير من الأمور المشتركة ولن يفوتنا هنا ذكر إمكانية الانتساب إلى عدة أحلاف كحلف هيفا والبالة أو هيفا والكلاسيكي والماركات
بناء الموظف الحلم :
كما أثبتت الدراسات ضرورة الاهتمام بما يتلقاه الطفل من اللحظات الأولى لحياته أي حتى قبل أن يبدي قدرته على الاستيعاب والفهم – وبعض الدراسات تقول بضرورة الاهتمام بما يتلقاه الجنين في بطن أمه - كذلك يجب بناء الموظف من المراحل الأولى لدخوله معترك الوظيفة ونعتقد أن اليوم الوظيفي الأول وانطباعه المبدئي على ذلك يلعب الدور الأساسي في كامل حياته الوظيفية والدرس الأول يأخذه عند أول احتكاك له مع المسؤولين عنه وتكون الطريقة التي تتم معاملته فيها هي ما ستحدد طريقة تعامله مع الآخرين سواء أكانوا مراجعين أم متعهدين أم زملاء ومرؤوسين فإذا كانت الطريقة فوقية فسوف يرسخ في لا شعوره أنه يجب أن يعامل الآخرين بطريقة فوقية وإذا ما كانت الطريقة ودية فسوف يرسخ في ذهنه أن الطريقة الودية هي الطريقة المناسبة ويتم القياس على ذلك ما يتعلق بالمماطلة والتآمر والاهتمام بالمصالح الخاصة والتهرب من تحمل المسؤولية والهروب من الدوام وعدم الاهتمام بالمستوى الفني وإضاعة الوقت والرشوة وأساليبها ومدارسها . . الخ
القضاء على الرشوة :
1. لا بد أولا من اجتثاث المفسدين فأولئك لا أمل في عودتهم إلى جادة الصلاح وسيعملون على إجهاض أي محاولة للإصلاح .
2. رفع مستوى الوعي الجماهيري بتأثيرات الرشوة السلبية على مقدرات الوطن ونفوس أبنائه من خلال المناهج المدرسية والبرامج التلفزيونية وكافة وسائل التثقيف .
3. غرس أفكار الشرف والأمانة والإخلاص في العمل وإقامة الندوات والمحاضرات عن ذلك .
4. سد الفجوة بين الدخل والمصروف برفع مستوى الدخول إلى المستوى المطلوب للمعيشة .
5. سد الثغرات في القوانين والأنظمة بما يضمن عدم استغلالها من قبل المرتشين .
6. الارتقاء بالوعي الوظيفي إلى المستوى الحضاري وعدم الانغلاق والتقوقع ثم الانفتاح المفاجئ مما يسبب صدمة حضارية ويتم ذلك بالتفاعل مع الحضارات والانفتاح على منجزاتها بالتوازي مع التطور المادي والقيمي والقانوني لها فيتم تقبل هذه المنجزات بشكل تدريجي ومناسب لقدرات الموظف ودخله .
7. القضاء على ظاهرة اللامبالاة والإهمال والتقصير:
8. إعطاء الحوافز والمكافآت المادية والمعنوية لمن يبدي الجد والاهتمام بالعمل .
9. أن تقوم معايير الترقية على الانجازات والخبرات لا على الواسطة و المحسوبيات .
10. أن يظهر الفرق بين من يعمل ومن لا يعمل سواء في المعاملة أو في المحاسبة .
11. أن يدخل في مفهوم الرقابة المحاسبة على سوء النية والأضرار وليس على الخطأ .
12. أن يتم إنشاء لوحات شرف ينشر فيها أسماء المجدين والمتفانين .
13. دراسة المشاكل والأسباب العامة والخاصة التي تؤثر على أداء العاملين ومعالجتها حسب الأنظمة والقوانين .
رفع المستوى الفني والقانوني والإداري:
تم أخيراً الاهتمام بموضوع التأهيل والتدريب في مؤسسات ودوائر الدولة وتم إحداث دوائر تأهيل وتدريب وتخصيص ميزانية كافية للعملية التدريبية وحتى تعطي هذه الخطوة ثمارها يجب أن يكلف بها قيادات مختصة بالعمل التدريبي لتتمكن من تصميم الدورات المناسبة لتأهيل العاملين ولرفع المستوى الفني والإداري للعاملين حيث يجب :
• إخضاع العاملين لدورات فنية مصممة حسب طبيعة الأعمال المكلفين بها ( دراسات – إشراف – تنفيذ . . ).
• إخضاع العاملين لدورات حقوقية وقانونية مصممة حسب طبيعة الأعمال المكلفين بها ( عقود – دفاتر شروط مالية وحقوقية – المنازعات – التحكيم – القضاء الإداري . . ).
• إخضاع العاملين لدورات إدارية بمستويات مختلفة مصممة حسب طبيعة الأعمال المكلفين بها (إدارة الموارد البشرية – إدارة الوقت – الإدارة الإستراتيجية – إدارة الأزمات .. ) .
• التمكين الإداري للإدارات بما يضمن استيعاب قيادة العاملين وإدارتهم بشكل علمي ومدروس ( شهادات عليا في الإدارة العامة ) .
• الربط بين الترقية والمستوى الإداري والفني .
خاتمة :
تستطيع الدولة الاستفادة من القدرات الخلاقة والمبدعة المشهورة على مستوى العالم في الشعب السوري والإمكانيات الكبيرة للعاملين بأن تقوم بتأمين مستلزمات الحياة الكريمة لهم وبث روح المنافسة الإيجابية بينهم وجعل المهارات والقدرات الفنية والإدارية والتفاني والإخلاص في العمل إضافة إلى النزاهة والشرف والأخلاق أساساً للترقية وعلى الجهات الرقابية الانتقال من تطبيق القانون إلى تطبيق روح القانون – ما يقصده المشرع - بالتعامل مع الناحية الجرمية والأضرار الناتجة عن الخطأ وليس استهداف الخطأ بحد ذاته والمحاسبة عليه وهذا سينعكس إيجاباً على الرغبة بالعمل والرضا الوظيفي لدى العاملين .
وباجتماع الإنسان الأخلاقي مع الرغبة و التفاني بالعمل إضافة إلى التمكين الإداري والفني يمكننا أن نصل لبناء الموظف الحلم الذي يستطيع تشكيل الدائرة الحلم والمديرية الحلم وبالتالي الحكومة الحلم في الدولة الحلم التي تحلم وهي صاحية وواعية وتسعى لتحقيق حلمها وهي محافظة على ثوابتها مرسخة قيمها وتقوم بنشر رسالتها لما فيه خير شعبها ووطنها والإنسانية جمعاء .
م فواز بدور – شهادة عليا في الإدارة العامة