استيقظت صباح 27/3/2011. و أشعلت جهاز الكمبيوتر كالعادة، ودخلت موقع الجزيرة نت؛ كي أشاهد وأقرأ آخر الأخبار. وقد كان من العناوين الظاهرة (بدأت الثورة في سوريا).
لم يكن ذلك عنوانا لصفحة، أو فرع منها، بل كان عنواناً لأبعد من ذلك بكثير. فهي لوحة صوِّرت في إحدى الشوارع السورية، ومكتوب عليها مثل هذه العبارة. وقد كان الخبر كما ما وراء الخبر، وكان العنوان كما وراء العنوان.
لن أسأل إن كانت الثورة قد بدأت فعلاً في سوريا. ولكن عليَّ كمواطن سوري، و قبل كل شيء كإنسان عادي، يحب وطنه وحسب. أن يسأل ما هي هذه الثورة، هل الثورة تكمن في احراق، باص (مرفق خدمي). أم في اشعال النيران في اطارات، أم بقطع الطرق، أم في قلب حاويات القمامة رأسا على عقب. أم في اشاعة الرعب والفوضى والضوضاء. أم ماذا.... ما هي هذه الثورة، إن لم يكن لها من ثوار. فما الثائر، هو شخص يسعى لما هو أفضل، لا يقتنع بالواقع، بل يسعى إلى الأحسن، ليس التغيير وحسب، بل التغيير إلى ما هو أفضل.
لقد أطلق هؤلاء الثوار (بحسب رأيهم) النيران، وقنصوا المواطنين الآمنين، وقتلوا الكثير منهم. استخدموا الدين كستار ووسيلة، لم يشعروا ولم يفكروا، وعلى ما يبدو لن يشعروا ولن يفكروا، إلا بالتغير، دون أن يسعوا لما هو أفضل. لا بل سعوا إلى ما هو أسوأ. أي ثورة تلك التي تبدأ بالركام والزحام. إن كانت البداية معها وفيها بهذه الطريقة، إن كان أول الغيث هذه القطرات، فأي أعظم سيأتينا، فما ينتظرنا منهم، لو نجحوا في مآربهم، ما كان ليأتينا منهم إلا الويل والثبور وعظائم الأمور. هم عار على أنفسهم، وذويهم، كيف أسلمهم نفسي، وكم بالحري وطني.
ثورتهم بداية لنهاية الوطن، نعرف مقدمتها، وهم لا يدركون عواقبها. ثورتهم تسعى ولا تنأى، تعمل ولا تحمل هموم المواطن؛ كي ترقى بها إلى ما هو أحسن. الثورة تقوم على الظلم، وليس بالظلم. تكون على السلاح وليس بالسلاح. الثورة رقي بالواقع وليس هدم له. وتحطيم لدعائمه ومرتكزاته وأساسياته وبنيته التحتية. هم لا يعرفون ما هي سوريا، لذا يعملون بها، وكأنهم في بلد آخر.
أفخر بأنتمائي لهذا الوطن الحبيب، ولم ولن أجاهر يوماً. بأنتمائي الديني أو السياسي، بل الوطني؛ لأني أفخر به، أما الانتماءات الأخرى، فهي سبيلي الخاص إلى نفسي، ومعتقداتي و ربي...
منذ خمسة وعشرين سنة، وأنا في اللاذقية. تغير المحافظ عدة مرات، وكذلك الأمر بالنسبة لقائد الشرطة، والأمن العسكري، وأمن الدولة، وفرع المخابرات. تعاقب رئيسين على سوريا منذ ذلك الحين، منذ ولادتي. إلا أني لم أشعر بالخوف والرعب، إلا حين تلك الثورة، التي تريد أن تنقلب على السلم بالحرب، وأن تعم الفوضى بدلا من النظام. هي ثورة لإسقاط النظام وقيام الفوضى.
أنا أعلم بأن سوريا ليست من الدول الأولى في العالم، من حيث التقدم الصناعي، والإقتصادي، والزراعي، والإنتاجي... إلا أني أعلم أيضا بأني، وكأترابي عمرا وانتماءاً، لم أخشى يوما أن أتجول في أي بقعة من هذا الوطن، دون أن آخذ بعين الإعتبار الزمان ولا المكان. الأمن والإستقرار عنوان لمرحلة جميلة تعيشها البلاد منذ عام 1970. نحن في سوريا نعيش كعائلة واحدة، وإن تعددت انتماءاتها الدينية والفكرية. إذ أنه حتى في العائلة الواحدة كيانياً، يوجد اختلاف. لكنه اختلاف للإثراء، و ليس للخلاف.
في سوريا فسيفساء، تكون صورة الوطن. وتجمِّله وتجعله أفضل. أنا أفخر لإنتمائي لهذا الوطن الذي يرأسه بشار الأسد. ذلك الرجل الذي قال له مرة ، مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون (بأنه يخاف عليه لما يدور من حوله من تحديات إقليمية ودولية)، فأجاب سيادته (سماحة المفتي لا يهمني تلك العواصف، بل أسألك سؤال واحد: هل الله راضٍ عما أفعل لشعبي، ووطني)، فقال له سماحة المفتي: (نعم)، فقال الرئيس بشار: (إذاً سأبقى على ما أنا، ما يهمني هو شعبي ووطني، أمّا هم ليعصفوا بي كما يشاؤون، أولوياتي واضحة، وثابتة). ونحن أيضا أولوياتنا واضحة وثابتة. نريدك أنت الذي عودتنا أن نكون أولويتك، دون أن تقيم أي اعتبار لأي أمر آخر.
أما كلمتي الأخيرة، فهي للإعلام. راجياً منه أن يكون مسؤولا، وألا يسمح لنفسه أن يكون اعلانا مأجوراً، يحقق مصالح الآخرين؛ لأن ماذا ينتفع الإنسان، أو الكيان، إن ربح العالم بماله، و خسر حاله. اللهم إن لم يكن له مبدأ أصلا. وحينئذ يضرب بعرض الحائط، ضميره الخلقي والمهني معاً. مما لا يجعل للإعلام رسالة يضطلع بها، بل مجرد وسيلة لخدمة الآخرين ومصالحهم.