" لن تستطيع أن تمنع طيور الهم أن تحلق فوق رأسك , ولكنك تستطيع حتما أن تمنعها من أن تعشش فوقه "
كثيرة هي الأحداث التي تداعت علي ومن حولي , سرقت نصيبا مهما من نعمة كنت إلى أمد قريب أحسد نفسي عليها وهي " قلة الهم وراحة البال ".
فمن غربة قطفت أحلى مراحل عمري كتبت عنها الكثير , وقرار عودة قريبة إلى الأهل والوطن وذكريات وشوق وحنين , إلى ما اسستجره ذلك من فرقة " مؤقتة بإذن الله " لأعز وأغلى الناس على قلبي , وأيضا أصبح عملي عامل ضاغط سلبي بعد أن كان ولفترة قريبة مصدر إلهام ومحفز كبير لي .
إلا أن الأحداث التي عصفت مؤخرا ببلدي الحبيب ولازالت مستمرة إلى اليوم , كان لها بلاشك الدور الأكبر والأهم فيما آلت إليه نفسي , وساهمت بشكل رئيس في تشويش فكري وابتعادي لفترة لم أعتد عليها عن هوايتي التي أحببت , فالكتابة هي انعكاس لمرأة الروح من الداخل وتعبير صادق عن مكنوناتها.
ورغم كل ذلك فإن التفاؤل والإيمان يملآن قلبي في أن ما حصل ويحصل هو غيمة ملوثة عابرة ستمر , ولا أقول غيمة سوداء , فالغيمة السوداء تحمل بشائر الخير والمطر , أما هذه الغيمة التي أصبح واضحا للقريب والبعيد من صنعها ومن يقف وراءها لتبث السموم والخراب في أرض وسماء هذا الوطن الغالي مستغلين مطالب شرعية ومحقة للشريحة الأعظم من الشعب السوري الرائع يتجلى أهمها في القضاء على الفساد ومنح المزيد من الحريات ورفع مستوى المعيشة والتي لاقت صدى سريعا من رئيس الجمهورية فأصدر العديد من المراسيم الهامة التي من شأنها أن تلبي معظم تلك المطالب وحدد جداول زمنية قصيرة لتنفيذها, ولكن غاب عن أذهان هؤلاء الحاقدين أنهم قد اختاروا المكان والزمان والشعب الخطأ , كما غاب عن أذهانهم أن " المحنة " الحالية لن تزيدنا إلا تماسكا ووعيا في أن ما يحاك لوطننا الغالي في الخفاء من خلال خفافيش الظلام الحاقدين سيعطينا مناعة أكبر لحب هذا الوطن الغالي والتعلق به , ولن يزيدنا إلا قوة وتماسك وصلابة لقد نسوا أو تناسوا أن الشعب السوري هو من أكثر الشعوب العربية وعيا وثقافة , وأن أساليبهم الخبيثة واللعب على الحبال الطائفية قد ينجح في مكان ما لكنه حتما ليس سوريا التي تعايش شعبها بكل محبة ووئام على مر العصور , وأن جميع محاولاتهم ومؤامراتهم السابقة ذهبت أدراج الرياح .
الكل متفق بتأخر الإصلاحات في بلدنا لأسباب هي أصلا موضع نقاش وأخذ ورد بين مؤيد ومعارض ولكن لا مرحبا بإصلاح ولا أهلا به إن كان سيأتي بخراب البلد التي نعشق ونحب , ومع ذلك وبغض النظر عن كل الظروف والعوامل الضاغطة الداخلية والخارجية فقد أبدت القيادة من خلال إدراكها العميق لما يحاك لهذا البلد من أعداء متربصين إلى إجراء ما يثبت حسن نواياها من خلال القيام بالعديد من الخطوات والقرارات الهامة و" التاريخية " وحددت جداول زمنية قصيرة للتنفيذ ولا زلنا بإنتظار المزيد , في المقابل يجب على الطرف الآخر الواعي أن يبادر إلى مبادلة حسن النوايا بمثله إدراكا منه أيضا بالخطر المحدق في أمن واستقرار البلد ولأن العدو مشترك وقد أعد خطته بإحكام وأنفق عليها مئات ملايين الدولارات وجند لها شياطين إنسه وجنه, أما من يصر على صم آذانه ولا يعجبه العجب ويأبى ويطغى فأدعوه لمراجعة نفسه والتوقف مليا عند ما جرى ويجري وتحكيم العقل والمنطق .
شخصيا أكره نظرية المؤامرة , ولكني في المقابل لا أنسجم وأتفق مع من يتكلم في إتجاه واحد وبالمطلق دون وضع باقي الإحتمالات على طاولة النقاش بعقل مفتوح وبالمنطق.
عند وقوع حدث ما , فمن الطبيعي عند مناقشة هذا الحدث وتحليله طرح نظرية الإحتمالات على طاولة البحث .
من يرفض نظرية المؤامرة , يرى أن كل ما يجري في سوريا هو عبارة عن تحرك شعبي محق وينفي بالمطلق وجود أطراف داخلية وخارجية معروفة للقاصي والداني يهمها تنفيذ أجندتها بأي وسيلة كانت, وياليت أن هذه الأطراف كانت تتمتع بدرجة من المصداقية أو الشفافية , لكنا أول مؤيديها .
هل من عاقل ينكر وجود أعداء لهذا البلد في الداخل والخارج يتمنون خرابه وتمزقه " لا قدر الله " ويتحينون الفرص لذلك , وقد حاولوا مرارا قبل ذلك وفشلوا ولازالت محاولاتهم مستمرة ؟؟
عند إغتيال رفيق الحريري سارعت العديد من الجهات والشخصيات إلى توجيه أصابع الإتهام لسوريا دون سواها, ورفضت بالمطلق مناقشة وجود أطراف عديدة لها المصلحة الأكبر لما جرى , وبمنطق الرابح والخاسر فقد كانت سوريا أكبر الخاسرين مما جرى وتعرضت لضغوط كانت كفيلة بالإجهاز على أي بلد وزعزعة أمنه واستقراره.
هو بالطبع رأي شخصي لا أطلب من أحد أن يتفق أو يختلف معي فيه , فالعالم بدأ بالتغير منذ تسلم جورج بوش الإبن للسلطة في الولايات المتحدة وما تبع ذلك من أحداث غيرت مسار العالم وخريطته بدء من أحداث سبتمبر 2001 م إلى غزو العراق وأفغانستان في 2003 م مرورا بإصدار القرار 1559 في عام 2004 م و إغتيال رفيق الحريري في 2005 ثم عدوان تموز 2006 على لبنان الشقيق ثم العدوان على غزة في 2008 م ووصولا لما جرى ويجري في كل الوطن العربي الآن من وضع محزن يرثى له من المحيط إلى الخليج ولا يستثنى بلد من ذلك دون الحاجة لعدهم , وأين أنت يا دريد لحام في كاسك يا وطن لتطلع أباك المتوفى في الجنة على آخر ما وصلنا إليه.
سيتهمني الكثيرون بأني من متبني نظرية المؤامرة , وهنا موضع الجدل حيث أعود لأذكرهم أني ضد هذه النظرية ولكني أسمع وأرى وأحلل وأستنتج وهذا من حقي الذي لا أرضى لأحد أن ينازعني عليه أيضا , فكما لهم الحق في تبني الرأي الذي يرون , فكذلك لي ولأمثالي نفس الحق أيضا وأذكر أني مع الإصلاح وكل مطالب الشعب المحقة في الحرية والرفاهية ولكن بالأساليب التي لا تؤدي إلى تحقيق ما يرمي إليه أعداء بلدي الحاقدون المتربصون .
وخلال الأحداث الأخيرة التي أرجو من الله أن تنتهي لما فيه مصلحة الشعب والبلد , ومن خلال متابعتي لما يجري من هنا في غربتي فقد تأكد لي وجود جهات وأطراف عدة لا يتمنون إلا الخراب لبلدنا وقد سخروا كل إمكانياتهم المادية والبشرية والإعلامية لتحقيق هدفهم , ولكن سيخيب الله آمالهم وخططهم بفضل وعي وتلاحم أبناء بلدنا وتكاتفهم , وستخرج بلدنا من أزمتها أقوى وأصلب , وستبقى سوريا حرة أبية شوكة في حلق أعداءها وليخسأ الحاقدون وليموتوا بغيظهم .
حبي لوطني هو ما دفعني لكتابة ما كتبت والله من وراء القصد وهو أعلم بسر القلوب وأخفى ولن أزايد على أحد في هذا المجال حتى لا يساء فهمي .
رحم الله شهداءنا الأبرار في كل المدن السورية , وأسكنهم فسيح جناته .. لا أشك أن كثيرا منهم راح ضحية رصاص الغدر والحاقدين ... أدعوا الله لهؤلاء الشهداء بالرحمة والمغفرة ولسوريا بالتقدم والإزدهار ولكم جميعا بحياة أجمل وأحلى ودمتم سالمين .