كعادته رجع مع الغروب يترنح ثملاً ... وقف على تلة مطلة على القرية و أخرج من جيبه ورقة متهالكة ..
فتحها بتأن ٍ و أخذ يحدث نفسه : لولاك ما استطعت الوصول بسلام ..هنا البقال و هنا محل الخضار وهنا الخباز
وهنا وهنا وهنا ... سأدخل من هذا الشارع وحده اللحام فيه و أنا بغريزتي نباتي ؟ لذلك ليس له ديون علي
بينما كانت الشمس تهطل على التلال تسلل إلى منزله بحذر شديد و عندما دلف لمنزله بحذر علت الأصوات :
جاء أبي .... جاء أبي.... بادرته زوجته بالسؤال :
- أين الفستان ؟
- لم أجد فستان من النوع الذي تريدين بلون أحمر .
- و من قال أني أريده أحمراً أنا أريد فستان و السلام
- لم أجلبه
- و أين النقود ؟
- قريباً أعيدها لك
- شربت فيها مجدداً .. تعب شهور و أنا أخدم لدى الناس و أوفر ما استطعت لشراء فستان...
فستان يا رجل أكثير علي؟ و أنت تضيع تعبي في كؤوس خمر ... أي رجل أنت ؟
استلقى على السرير اليتيم المتهالك و مع صوت صريره نظر للسقف و أخذ يعد شقوقه قائلاً في سره :
إلهي : أي أفعى تخرج من هذه الشقوق و تريحني ... أي جلطة تأخذني بعيداً عن صوت زوجتي ...
أي زلزال يمحني ... أي شيء ... أي شيء
كان صوت زوجته ما يزال هادراً كإعصار معاتباً مؤنباً :
جاء الخباز و البقال و وعدوا بأنهم سيأخذون كل ما في المنزل مقابل ديونهم ...
ولم يرض بائع الخضار إعطائي شيئاً بالدين ... و الأولاد جياع و لم تجلب لي الفستان .... و ..... و...
فجأة انتابته موجة من الضحك ... لقد وجدتها قال في نفسه مبتسماً وقف بهدوء متجاهلاً اندهاشها وقال :
أنت طالق ...طالق .... طالق
لبس بقايا حذائه و خرج من المنزل غير عابئاً بشيء ..
أخرج الخريطة من جيبه و مزقها ونثر أشلائها في الهواء هامساً: أنا متأكد أنها طلبت فستان بلون أحمر!
أخرج من جيبه زجاجة خمر صغيرة وضعها على فمه و شرب وسار لا يلوي علي شيء .
موسى نمور