مرت الأزمة واستطاعت سوريا الانتصار على المؤامرة بكل أطرافها الداخلية والخارجية ولأنها كانت تجربة قاسية على الشرفاء من الشعب السوري فعلينا الاستفادة منها لتجنيب بلدنا الحبيب هزات عنيفة كالتي حدثت لنا نتيجة هذه المؤامرة .
ولأن المؤامرة استغلت مطالب ورغبات محقة واستثمرت عليها لخلق الفوضى لتغطية الأفعال الإجرامية ويمكننا القول أن أفعال الفاسدين ولدت عدم رضا جماهيري عن أداء الدولة بمؤسساتها المختلفة مما سمح للخونة والمتآمرين استغلال الاستياء الشعبي الذي كان بيئة مناسبة لإظهار المؤامرة على أنها حراك شعبي ثوري .
إضافة إلى أن الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري مطالب محقه ومشروعه وكان السيد الرئيس أول من دعا إليها بل واتخذ خطوات حقيقية فعلى سبيل المثال بمجال الإصلاح الإداري تم إحداث المعهد الوطني للإدارة العامة في عام 2002 أي بعد مضي سنتين على توليه منصب الرئاسة وكان هدفه من هذه الخطوة الارتقاء بمستوى الخريجين ليكونوا قادرين على استيعاب علوم الإدارة حيث يمكن تشكيل نواة للعملية الإصلاحية عن طريق تأهيل المدراء وكبار الموظفين القادرين على فهم آليات ونظريات الإدارة وتطبيقها على مديرياتهم وبالتالي يتم تطوير الإدارة بشكل عام عن طريق اعتمادها على علوم الإدارة العلمية والتطبيقية ولكن كان الحاجز والعائق الأساسي الذي حال دون تنفيذ هذه الخطوة هو الحكومة السابقة والتي استنفرت كل قواها للقضاء على تجربة المعهد في مهدها قبل أن تتاح الفرصة لتجربة المعهد للتعبير عن ذاتها والتطور و لخريجي المعهد لإثبات جدارتهم
وكانت الطريقة التي اعتمدتها الحكومة السابقة في ذلك هي تهميش الخريجين وعدم الاعتماد عليهم بل كان الخريجين يعانون من عبء انتمائهم إلى تلك التجربة وحتى أن أوضاع بعض الخريجين ومستواهم الوظيفي تأثر سلباً نتيجة إتباعهم لدورة الإدارة وحصولهم على شهادة عليا في الإدارة العامة ولو كانت تنفع " لو " لقلنا أصلح الله الحكومة السابقة لو أنها كانت على قدر المسؤولية التي منحت لها واستوعبت فكر وخطوة السيد الرئيس الإصلاحية أما كنا ومنذ أكثر من ثمان سنوات قد مشينا على طريق الإصلاح الإداري وطورنا التجربة وتجاوزنا سيئتها وتم بلورة نتائجها وحتى الانتقال إلى تجربة أفضل في حال عدم نجاحها .
أما الآن وقد جرى ما جرى ولا مجال للوقوف والتحسر على ذلك بل المطلوب ومن الجميع الإسراع بإجراء ما يلزم للعودة إلى جادة الصلاح الذي يكفل الإصلاح فيمكن القول أن المطلوب من كل منا في هذه المرحلة ثلاث خطوات أساسية :
الخطوة الأولى وهي الإصلاح الذاتي وليس خافياً على أحد أننا وبشكل ما انغمسنا في منظومة الفساد التي كانت مسيطرة على المجتمع ككل سواء كمتلقين أو كمرسلين فمن منا اللهم إلا القلة - اللهم اجعلنا منهم و زدهم عدداً - الذين لم يرشوا ويرتشوا ولم يدفعوا للحصول على ما يمكن اعتباره حقهم إلى أن أصبح الدفع سمة تميز الشعب السوري وفي كل تصرف يقوم به من السلام ( على الشرطي أو الموظف ) إلى الاستلام (منصب أو ترقية ) وكما قال احدهم " كل مواطن سوري وفي كل صباح راش أو مرتش " بل قد أصبح أسلوب الرشوة من أساليب التربية الحديثة فالأب لم يعد يستخدم سلطته الأبوية لفرض احترامه على أولاده بل صار يلجأ إلى أسلوب الرشوة في التعامل " بعطيك مية ليرة بتجبلي باكيت دخان وبتاخد الباقي ؟ " أما إذا نسي أو تناسى فيذكره الإبن " شو بتعطيني لحتى جبلك " أو الأسلوب الفريد بالنهي عن ارتكاب المعاصي " لك يا اخي بدك تدخن دخن بس مو قدامي " أو " بدك تسرق اسرق بس مو مني " أو " على بعضنا يا زلمي نحنا خابزينوا وعاجنينوا سوى "
والكثير الكثير مما يندى له الجبين والذي لا يمكن إصلاحه بتشكيل لجان مكافحة الفساد أو استقلال القضاء أو التعددية الحزبية ناهيك عن علاقة الإنسان بأهله وجيرانه وزملائه ورؤسائه ومرؤوسيه وحزبه ونقابته ومديريته وصولاً إلى علاقته بالخالق سبحانه وتعالى والتي عمدنا إلى تأسيسها استناداً إلى مفهومنا القيمي الفاسد "فالسرقة من الدولة مو حرام " و " وين المشكلة إذا استفدت وفدت وما ضريت حدا معقوله ؟ ؟ ؟ رب العالمين يحاسبني " أو " رب العالمين اكبر ! ! ! من انو يحط عقلو(استغفر الله ) بعقلي ويحاسبني على هل شي "
الخطوة الثانية وهي الوعي والتروي والاستماع فما نعيشه حالياً ترك بشكل ما أثاره السلبية علينا من الداخل نعم نحن لسنا طائفيين وكان وعينا هو الحصن الحصين لنا من هذه الفتنة ولكن الشحن الطائفي ووجود المغرر بهم والمراهقين عمرياً أو فكرياً من جهة والضرر بالأملاك العامة والخاصة والشهداء ( الرحمة على أرواح كل الشهداء من رجال الجيش والأمن والمدنيين الشرفاء ) والقتلى من الجهة الأخرى هذه مجتمعة ولدت تأزم داخلي فهناك طرف يريد أن يشعر بالأمان وأنه ليس مستهدف وهناك طرف يريد أن يشعر أنه ليس متهماً بالخيانة أو بالتأمر أو بالقتل وإن كنا كبشر نميل للاعتقاد بصحة رأينا وبطلان رأي الأخر خاصة مع قوة الإعلام المتآمر وضعف مستوى الإعلام الوطني
فما أحوجنا بهذه اللحظات إلى الاستماع إلى كل ما يجول بفكر الطرف الآخر مع إعطائه الإحساس بتفهم كل ما يخالجه من مشاعر آلم وحزن وغضب وتفهم المبررات الحقيقية لكل منها وهذا يستلزم عقد مؤتمرات وطنية من كافة الأطياف وإجراء حوار شفاف وواعي على مستوى الوطن ككل إضافة إلى جلسات حوار هادفة على مستويات أصغر وصولاً إلى أماكن العمل والحارات الشعبية وكل ذلك على قاعدة عدم التخوين وأننا كلنا شركاء في هذا الوطن الذي يتسع للجميع .
الخطوة الثالثة والأهم هي عدم الوقوف متفرجين وتشكيل مجموعات مختلفة لدعم البلد في هذه المرحلة الحرجة وعلى كل المستويات وتشكيل الجيوش الداعمة لجيشنا الباسل والذي أثبت قدرته ووطنيته وأهم هذه الجيوش :
الجيش الإلكتروني الذي تشكل طوعياً وقت الأزمة وأوجه له تحية كبيرة على ما قام به من انجازات كبيرة للوقوف بوجه كل من يحاول التشويه الإعلامي والإساءة إلى سوريا عبر مواقع الانترنت والإعلام بشكل عام ومواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك واليوتيوب والتويتر بشكل خاص .
الجيش الاقتصادي الذي يسعى لدعم الاقتصاد الوطني وألا نكتفي بما يفعله التجار الكبار (وله منا كل التحية ) بل أن يساهم كلاً منا من طرفه وعلى مستوى قدرته في دعم الاقتصاد من الادخار في البنوك العامة إلى دعم الاحتياطي الوطني من الذهب إلى التصرف بشكل حضاري وعدم خلق أزمة على المواد الغذائية والتموينية .
الجيش الاجتماعي الذي يسعى لإعادة اللحمة بين المواطنين وتشكيل لجان دعم وتنسيق والقيام بزيارات مختلفة بين مختلف الأطياف والطوائف والمحافظات على خلفية الشراكة الحقيقية في وطن يتسع للجميع
الجيش الإصلاحي الذي يسعى للحفاظ على مكتسبات الإصلاح والتنبيه إلى الفاسدين وآليات عملهم وفضحهم ومنعهم من ركوب موجة الإصلاح والظهور بمظهر الشرفاء .
أخيراً في وطن عظيم كسوريا ومهما كان دورنا كبيراً أو صغيراً فسوريا باقية لأنها سوريا فهي مهد الحضارات وهي " الله حاميها " ونحن كشعب سوريا يحق لنا الفخر بوعينا وقدرتنا على الصمود في وجه كل الأعداء الداخليين والخارجيين والتصدي لكل المؤامرات فنحن نستحق النجمتين على العلم مع اعترافنا بأخطائنا وضرورة اعتذارنا للوطن في يوم الاعتذار للوطن