لقد اجتمع مرةً، الرئيس البرازيلي (دي سيلفيا)، مع الرئيس اللبناني (سليمان). فقال الأول للأخير: (أحكم على لبنانين، أكثر مما تحكم). فعدد اللبنانين المتواجدين، في البرازيل، يفوق عدد اللبنانين في لبنان.
وكذا الأمر بالنسبة، للنوابغ والأدمغة العرب. فهم في الخارج، أكثر منهم في البلدان العربية.
لم نعتد أن نتمسك بالفقهاء منَّا، فالعَالِم عندنا بعد موته. إذ تتضافر الجهود، ويلتأم الجنود، وتتقاطر الحشود لتودِّع وتشيِّع مَن مات. أمَّا قبل ذلك، فقليلون هم الذين يعرفون الأدمغة، أو يعرفون عنهم. لن أقول قليلون هم الذين يعرفون، الأدمغة العرب القاطنين في الخارج، بل هؤلاء الذين يعيشون في أرض الوطن. فأين هم مؤسسوا صفحة (عيسى عبود) على الفيس بوك، قبل وفاته. وأين هم المتهجمون، على الإعلامية السورية (زينة يازجي)، قبل استقالتها. وأين هم من علماء وأدباء كثر ينتمون لوطننا العربي، ويقطنون خارجه.
ففي حزيران (2006) قال الصحافي السوري (حسن. م يوسف) على قناة سوريا الفضائية: (لقد أجرت معي زينة يازجي، مقابلة على قناة سوريا الفضائية. وبعد الإنتهاء من الحديث سألتها: هل أنت جديدة هنا؟ فأجابت: نعم. فقال لها: إذاَ لن تبقي كثيراً هنا، لن يطول بك ِالزمان. وأردف يوسف قائلاً: وبعد فترة قصيرة، توجَّهت للعمل في محطة العربية).
لن أسأل لماذا توجهت يازجي لقناة العربية... ولكنني أود أن يسأل كلُ منَّا نفسه، ما الذي يدفع أدمغتنا للهجرة. فكما يوجد أدمغة في العلم، يوجد أيضاً أدمغة في الإعلام. لماذا يهجرون الأرض، وهل في هجرانهم لها، استغناء عن العرض... لا وألف لا. فالإنسان شهادة كحبة القمح يُزهِر. نعم يُزهر لأن الحبة عندما تنمو، وتكبر لتعطي سنابل القمح المُزهرة. وإن لم تُدفن لا تنمو، ولا تكبر.
أمَّا زينة فهي يازجية، وكلمة يازجي، في التركية تعني (كاتب) حسب معرفتي. ولكن شأنها، في هجرانها اللاذقية، ومن ثم لسوريا شأن كثيرين، ينحصرون في بوتقة، يسعون للخروج من طياتها، ولا يجدون وسيلة لذلك، إلا عبر الهجران. ولكن يازجي في المرصاد؛ لأن ظهورها هو خبزها، وخبزها هو رسالتها.
لا يهم إن كانت قد بقيت أم هاجرت، بل ما يهم كونها قد قدَّمت أم أخرَّت، في قضية العرب وحربهم الضَّروس مع أعدائهم الكثر. فهي لم تكن تعمل في قناة العربية، بل تنطق بالعربية، ولكن... شهادتها أكبر من أن تُحصى. فماذا ينتفع المحارب، أو ينفَّع، إن انسحب من معركة القتال، بسبب أن المسرح الذي تدور رُحى المعركة عليه، ينتمي للعدو. أليس من الأجدر، والأجدى أن يعادي الخصم، بغض النظر عن ملكية الأرض.
لذا وباختصار فإن يازجي، قد هاجرت من هنا برأيي، حباً لتحقيق الطموح؛ ولأن واقعنا الإعلامي لا يُشبِع تطلعاتها، وقد اختارت منبر العربية، وسيلة لتأدية رسالتها الإعلامية. وقد عادت عندما استقالت؛ لأن وزر خطيئة هذه القناة، قد بلغ حد الذُبَى. وآمل أن نستفيد من هذه التجربة، وأن تكون درساً قاسياً لنا، إذ لو أنها شعرت (برأيي) بقيمة المُقابل، الذي كان سَيَرِدُها لبقيت وما هاجرت، لكنها ما شعرت، وما أضأت في جو وطننا. فمن لم يستفد منها بعدم تقديمه المُقابل الكافي، قد أضرَّ بالوطن من الناحية الإعلامية كيازجي، ومن نواحي آخرى عديدة ككثيرين غيرها. فأنا معها عندما ذهبت؛ لأنها أرادت أن تكون معركتها على الأرض إذ أثَّرت، ولم تتأثر. وأنا مع استقالتها؛ لأنها أرادت أن تؤدي رسالتها بالحالتين.