لأجل الحقيقة كنا ( نحن بعض السوريين ) وإلى زمن ليس ببعيد نعبر عن عدم ارتياحنا للوضع العام القائم في سوريا فالفساد منتشر في كل مفاصل الحياة ويشكل منظومة مترابطة وفاعلة لها أدواتها ورجالاتها القادريين وهناك سلطة قمعية على كل المستويات من تعاطي الموظف مع المواطن إلى تعاطي الإدارة مع موظفيها
إلى تحول بعض المحافظين والوزراء وبعض رجالات السلطة إلى دكتاتوريين حقيقيين يملكون القدرة والصلاحية لقمع وإسكات أي صوت أو حتى ما يسبق التفكير بإصدار أي صوت مطالب وقد لا يكون معارضاً بل يكفي أن يكون غير مساير أو لديه مجرد تفكير بعدم تنفيذ كل ما يطلب منه وبدقة أو ممن يتساءلون ولو بسرهم عن أسباب كل هذا التمادي وكيفية معالجته
وكان يتم إسكات كل هذه الأصوات باستخدام سلطة القانون وصلاحيات المناصب بالاعتماد على استنسابية التفتيش والقضاء باعتبار أنهما من أركان ذلك الفساد وأحيانا كان يتم إتباع أسلوب كيل الاتهامات الأمنية مما أدى من حيث النتيجة إلى الحد إن لم نقل انعدام حرية الرأي والتعبير في تلك الفترة .
وكنا نتهم أو نحسب بشكل ما على المعارضة لما نطرحه من أفكار لا تناسب القيمين على الوضع الإداري أو الأمني أو السياسي وحقيقة كنا ننشد الخلاص ونفكر بضرورة وجود معارضة وطنية لديها هم إحداث تغيير نوعي مع المحافظة على الثوابت المتمثلة بالقائد والعلم
القائد باعتباره رمز لكل السوريين وأي مساس به يعني المساس بكل مواطن شريف مع ما أثبته السيد الرئيس ومنذ توليه السلطة من رغبة في الإصلاح وإن لم تنتقل حتى الآن من مرحلة الأفكار والتشريعات إلى مرحلة التنفيذ بوجود الكم الهائل من المعيقات الخارجية والداخلية
والعلم لما يعنيه من الانتماء والارتباط والمحافظة على كيان الدولة بوجود الأطياف المختلفة من الإثنيات والطوائف وما يمثله العلم كدليل على البقاء تحت سقف الوطن
ولطالما حاولنا أن ندقق في رجالات من يسمون قيادات المعارضة السورية لنستخلص منهم أشخاص يمكننا الوثوق برأيهم ونواياهم وعدم ارتباطهم بالخارج سعياً للنهوض بالبلد وتطويره ولطالما كان يصدمنا ذلك المستوى المتدني لمن نعرفه من تلك القيادات - وإن كنت هنا لا أنكر وجود بعض الآراء والرؤى الشريفة وأصحاب المواقف من غير أن تكون محسوبة أو تعمل تحت لواء تلك القيادات
و كان أهم ما يشترك به هؤلاء هو الحقد على النظام وأشخاصه لدرجة عدم الاهتمام بمصير البلد فالمهم بتفكيرهم أن يأخذوا ثأرهم ولا أذيع سراً إذا قلت أن معظم هؤلاء إن لم أقل كلهم كان مع الغزو الأمريكي للعراق وعندما بكينا لسقوط بغداد كشعب وليس كنظام كان تشفّيهم بالنظام العراقي وأزلامه يعمي أعينهم عن المصير المجهول الذي يخبأه الأمريكي وأتباعه للشعب العراقي من تمزيق وحرب أهلية وطائفية وانعدام للأمن والآمان بل أكثر من ذلك فقد راح بعضهم يهلل بأن تكون سوريا هي البلد الثاني على قائمة الاجتياح الأمريكي وحتى بعد أن تبين لنا وللجميع نتائج الحرب على العراق فعدم التوازن عند تلك القيادات جعلها تعمل على إيجاد الأرضية الملائمة للتدخل الأمريكي أو الغربي في سوريا
أما أهم المفارقات عند المعارضة السورية فهي :
المفارقة الأولى لا زالت من تسمي نفسها المعارضة السورية تصر أن المظاهرات التي تجري في سوريا هي مظاهرات سلمية ولا توجد عناصر مسلحة تعمل على قتل المدنيين ورجال الأمن وعناصر الجيش ولإيجاد مبرر لروايتها مع وجود الشهداء من إخوتنا وأهلنا سواء كانوا مدنيين ممن لا يخرجون في المظاهرات وتم قتلهم وهم عائدون إلى بيوتهم - كالعميد عبدو التلاوي وأولاده وابن أخيه الذين كانوا عائدين من قريتهم فتم قتلهم والتمثيل بجثامينهم - وعناصر الجيش ورجال الأمن
ادعت أولاً أن هناك من يرفضون تنفيذ الأوامر بقتل المدنيين في المظاهرات فيقوم الأمن بقتلهم وعندما لم تنجح الخطة لوجود أمر من السيد الرئيس بعدم إطلاق النار من عناصر الأمن على المتظاهرين واستمرار سقوط الشهداء من رجال الجيش وعناصر الأمن
انتقلوا إلى كذبة وجود انقسام بين وحدات الجيش وأن من يقتل من رجال الجيش في درعا هو حكماً من الفرقة الخامسة وهو يقتل على يد الفرقة الرابعة وقد سقطت الكذبة مباشرة لوجود شهداء من الجيش ممن معروف عنهم الولاء للوطن واستبسالهم في الدفاع عنه ولا يمكن ألا ينفذوا الأوامر أو ينشقوا عن قياداتهم
فانتقلت المعارضة إلى كذبة أن رجال الأمن هم من يقتلون عناصر الجيش لإثبات ادعاءات النظام بوجود العناصر المسلحة وأيضاً سقطت هذه الكذبة بسبب انتهاء مهام رجال الجيش في بؤر التوتر كدرعا وتلكلخ واستمرار استشهاد عناصر الأمن والشرطة كما حصل مع رئيس فرع الأمن السياسي العقيد المهندس محمد العبد الله الذي استشهد في تلكلخ مع أربعة عناصر و كما حدث من استهداف عناصر الشرطة والأمن بكمائن غدر في السلطانية و البياضة و مفرق الغجر
ونقول هنا لو كانت المعارضة شريفة ومتوازنة ولا يعميها حقدها على النظام عن حقيقة وجود المؤامرة واستهداف سوريا من الخارج أما كانت تبرأت من تلك العناصر الإجرامية وقالت صراحة إن من يحمل السلاح هم أصحاب المؤامرة وأنها مختلفة عنهم وأن ما تدعوا إليه هو المظاهرات السلمية من أجل المطالبات المحقة وكانت ستطلب من المتظاهرين السلميين الذين يتبعون لها تسليم العناصر المخربة التي تحمل السلاح إلى عناصر الأمن وعندها لم تكن مضطرة إلى اختراع الكذبات المتكررة والمفضوحة لدرجة أفقدتها مصداقيتها في الشارع السوري
المفارقة الثانية عدم اعتراف المعارضة السورية بوجود التحريض والتضخيم الإعلامي وتستند على المحطات التي تبث الأخبار الكاذبة من حيث انتشار وشمولية المظاهرات وبأعداد كبيرة وفي كل سوريا
وحيث أنني لا أريد أن أذكر إلا ما شاهدته بعيني فقدت ذكرت الجزيرة أن هناك مظاهرة نسائية كبيرة في دمشق وحيث أن المشهد صغير ويتم إعادته أكثر من مرة فقد قمت أنا وبعض الأصدقاء بعد المتظاهرات وكان عددهن بالنسبة لي ثمانية عشر متظاهرة وأكثر رقم تم لحظه بين الأصدقاء كان اثنتين وعشرين متظاهرة ورغم ذلك تتبجح قيادات المعارضة بأن كل نساء دمشق وسوريا خرجن يطالبن بالحرية وإسقاط النظام فإذا كان ما يمثل نساء سوريا لدى المعارضة هم عشرين أو حتى مئة سورية فهذا يؤكد أن المعارضة السورية تعتمد الروايات الكاذبة للجزيرة التي فقدت مصداقيتها في الشارع السوري كما فقدتها المعارضة السورية .
المفارقة الثالثة عدم اعتراف المعارضة بأن سوريا تدعم المقاومة في جنوب لبنان وفي غزة وذلك على الرغم من اعتراف المقاومة في الجنوب على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله واعتراف المقاومة الفلسطينية على لسان رئيس اللجنة السياسية لحركة حماس السيد خالد مشعل بفضل سوريا على المقاومة وأن سوريا فتحت قلبها للمقاومة الفلسطينية وحتى إسرائيل تتهم سوريا بدعم ما تسميه الإرهاب والحركات الإرهابية أي حماس وحزب الله ولا تزال المعارضة مصرة أن النظام السوري لم يدعم المقاومة في جنوب لبنان وفي غزة فهل يمكن أن نصدق قيادات المعارضة السورية ونكذب أنفسنا وأصدقائنا وأعدائنا
المفارقة الرابعة والمحزنة استغلال الدين والفتاوى التحريضية ووصفات الإزعاج والإرهاب فبداية كانت تستغل صلاة الجمعة وخطب القرضاوي التحريضية بما فيها من إثارة للنعرات الطائفية وإباحة للقتل والاستهتار بقيمة وحياة الشعب السوري ومن ثم جاءت وصفة العرعور العجيبة لإسقاط النظام تلك الوصفة التي تقوم على الصراخ بأعلى الأصوات حوالي الساعة الثانية عشرة ليلاً بنداء الحق المراد به الباطل \" الله أكبر \"
ونتساءل لماذا الصراخ هل من الممكن أن يكون السبب أن الله – استغفره من مجرد التفكير بذلك - لا يسمع إلا الصراخ وهل منا من يتخيل أن الله سبحانه وتعالى سيستمع لمن قام بإزعاج أمهاتنا اللات استيقظن مرتعبات وابتهلن لله بصمت بأن يرد كيدهم في نحرهم وإرهاب الأطفال في منتصف الليل الذين استيقظوا مذعورين وهم يناشدون الله بأن ينقذهم من هذا الشر
ولنتساءل ماذا قال هؤلاء لأطفالهم الذين استيقظوا على صراخهم هل قالوا لهم لا تخافوا إننا نريد إرهاب أولاد الآخرين وأمهاتهم فقاموا بزرع الفتنة والطائفية في نفوسهم وكيف برر هؤلاء لأنفسهم استخدام الدين في أحقادهم وأغراضهم الدنيوية وكيف يمكننا نحن الآخرين ( مهما كانت طوائفنا أو مذاهبنا ) الوثوق بمن لا يمنعه علمه أو تقواه أن يفتي بأي شيء ويحلل كل شيء
أخيراً نقول لكم يا قيادات المعارضة في سوريا لقد صار لدينا نحن الآخرين قناعة بأنكم لن ترضوا مهما قدم لكم النظام من إصلاحات وعطاءات ومشكلتكم معه حقدكم وعدم توازنكم لقد زدتم من تأيدنا لنظامنا هذا التأيد الذي كان يقوم على الحب للقائد والاقتناع بمواقفه ومسيرته الإصلاحية فانتقل إلى التمسك به خوفاً على حياتنا وأطفالنا وأموالنا خوفاً على وطننا وتمزيقه كما تهدف المؤامرة التي أنتم سواء اعترفتم أم لم تعترفوا جزءً منها.
فلو لا سمح الله استطعتم إسقاط النظام ما الذي يمنع العرعور من تكفيرنا و الإفتاء بإهدار دمنا وأموالنا وأعراضنا وكيف يمكننا الوثوق بأنكم لن تنفذوا فتواه تلك وأنتم الآن تنفذون وصفته بإزعاجنا وإرهابنا بل أكثر من ذلك بتنا على قناعة أنكم لن تدعمون المقاومة ولن تسمحوا لنا بالتعبير عن أرائنا وأفكارنا ولن تمنعوا التدخل الأجنبي في بلادنا .