بالرغم من أن السلطة التنفيذية لا زالت هي المحرك الأساسي للدولة و لم تزل السلطة التشريعية تحت سيطرتها وتأثيرها فلا بد من العمل على رفع مستوى السلطة التشريعية ومنحها الاستقلالية حيث يمكن التعويل على أن وجود سلطة تشريعية مؤهلة ومؤثرة يشكل ضمان حقيقي للإصلاح نتيجة أن الرقابة التي تمارسها على السلطة التنفيذية تلعب دوراً كبيراً في الحد من تمادي وتفرد السلطة التنفيذية وبالتالي نضمن الفصل بين السلطات وتنفيذ مقولة "لا تحد السلطة إلا بالسلطة " بآليات دستورية وقانونية وللوصول إلى ذلك :
لا بد من في البداية من مناقشة وتقييم أداء السلطة التشريعية الحالية – مجلس الشعب–وأسباب عدم قيام هذه السلطة بدورها الفاعل في الرقابة على الحكومة وسن التشريعات الملائمة لعملية الإصلاح و التطوير .
والمتتبع لأداء السلطة التشريعية في سوريا يستنتج أن السبب الرئيسي وراء ضعف أدائها وانعدام دورها يعود إلى آليات اختيار عناصر هذه السلطة بجزأيه التعيني والانتخابي .
حيث أن ممثلي الجبهة الوطنية من العناصر الحزبية يتم اختيارهم بناء على المحسوبيات والعلاقات الشخصية علماً أن ممثلي حزب البعث العربي الاشتراكي هي الأفضل نسبياً مقارنةً مع باقي ممثلي أحزاب الجبهة الوطنية لأن الاختيار لممثلي باقي أحزاب الجبهة يتم بشراء هذه المقاعد من قبل التجار مقابل مبالغ يتم دفعها لقيادات هذه الأحزاب بمسميات مختلفة كالتبرع للحزب أو معونات تضمن الارتقاء السريع للوصول إلى المراتب القيادية والتمثيلية لهذا الحزب
وخير مثال على ذلك هي تجربة أحد المرشحين المستقلين - في مدينة حمص – حيث قام بالترشح كمستقل في أحد الدورات وعندما لم يتمكن من النجاح كمستقل انضم إلى أحد أحزاب الجبهة وتم ترشيحه لعضوية مجلس الشعب كممثل لهذا الحزب في الدورة التي تلتها وتم اختياره وللأسف تبين بعد ذلك أنه تاجر مخدرات
أما الاختيار بين المستقلين فإن أسس التمايز فيها تعتمد للأسف على القدرة المادية أولاً بشراء الأصوات وبأساليب مختلفة تبدأ في أرقى حالاتها بتقديم الدعم للجمعيات والمشاريع الخيرية والخدمية في المناطق والقرى وتنتهي بشراء العناصر المؤثرة على الأصوات في تلك المناطق والقرى وأخيراً شراء الأصوات بشكل مباشر أيام الانتخابات ثم تأتي بعد ذلك الطائفية والمذهبية والعائلية والقبلية بغض النظر عن كفاءة وقدرة المرشح أو حتى نزاهته مما يؤدي إلى وصول عناصر غير مؤهلة إن لم نقل سيئة كممثلين للشعب الذي لا زال ينقصه الوعي لاختيار مرشحه بعيداً عن التأثيرات المادية أو النزعات الطائفية أو القبلية أو العائلية .
إذن لا بد من وضع آليات دقيقة لاختيار الممثلين سواء من البعثتين أومن أحزاب الجبهة الوطنية مع ضرورة رفع مستوى الوعي الجماهيري في ضرورة انتخاب وإيصال العناصر الفاعلة و الكفوءة كممثلين للشعب لما لذلك من انعكاس وتأثير على كافة مجالات الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية .
أما بالنسبة للدورة الحالية فأعتقد أن الحل يكون بالمشاركة في التعيين نتيجة عدم إمكانية الاستغناء عن التعيين الذي يضمن تمثيل كامل فئات وشرائح المجتمع ووصول بعض العناصر الكفوءة والمؤهلة إلى عضوية مجلس الشعب وتقوم المشاركة بالتعيين على الانتخاب بين المرشحين الممثلين لكل شريحة فبدل أن يتم فرض ممثلي الجبهة الوطنية يتم طرح أكثر من مرشح لكل مقعد من مقاعد الجبهة ويقوم الناخبين باختيار أحد المرشحين المرتبين حسب الأولوية لدى الحكومة وفي حال عدم الاختيار يذهب الصوت للمرشح الأول
وبهذه الطريقة نضمن المشاركة الجماهيرية بالتعيين بحيث يكون المرشح الممثل لحزب أو شريحة ما حصل على ترشيح الجبهة كممثل للحزب أو الشريحة التي يتبع لها وفاز بالانتخاب من بين باقي الممثلين لتلك الشريحة ويصبح بالتالي هناك مشاركة للجماهير في هذا التعيين .
ويجب أن نستمر على استخدام هذه الطريقة في المشاركة في التعيين بالتوازي مع العمل على النهوض بالوعي الجماهيري إلى أن يصل إلى مستوى اختيار المرشح الجيد بغض النظر عن طائفته أو حزبه أو المبالغ الذي دفعها و تبين بعض التجارب الديمقراطية أن الاختيار الحر يولد الوعي بالاختيار بعد دورتين أو ثلاث دورات انتخابية كحد أقصى وعند ذلك يجب إلغاء التعيين بكافة طرقه والانتقال إلى انتخاب كامل أعضاء مجلس الشعب وصولاً إلى الديمقراطية الكاملة .