لا شك عندي بأن سورية، تمر اليوم بقضية أزمة، أو ربما أزمة قضية. فقضية الأزمة، تعني وجود قضية ترقى لمصاف الأزمة. أمَّا أزمة القضية فلأنني لا أعرف، ماذا يحصل، فأزمة قضيتنا تعصف بنا، من كل حدب وصوب، وتكاد تعوث بالأرض فساداَ، و في العباد دمارا.
هذه الهجمة، تأخذ أبعاد ومستويات متنوعة، تكاد تشكِّل حربةً، توجَّه إلى خاصرة الوطن. وطننا الحبيب هو المستهدف، و هو المعبر، وربما هو المستقر.
وفي سبيل هذه الهجمات، التي تعصف بنا، أود أن أعرض وجهة نظري، في أدب الدفاع لكل هجمة دفاع، ولكل فعل ردة فعل... ولكن... علينا ألا نسمح بأن يشغلنا الدفاع عمَّا هو أدق وأعمق، وألا نسمح لردة الفعل، أن تلهينا عمَّا هو أدهى, الهجمة، و الفعل موجودان، ولكن الدفاع وردة الفعل ليسا الأساس.
شخصياً: أعلم بأن ما يدفع الكثيرين، وربما الأكثرين؛ كي يقوموا بالدفاع عن بلادنا، هو حبهم وغيرتهم على حبات التراب، و قطرات الندى التي تشكِّل ذرات هذا الوطن. ولكن ما ينتظرنا، هومرحلة تحول تتطلب منَّا، أن نكون على قدر المسؤولية، والعبء الملقيان على عاتقنا، إذ أنَّ الدفاع يفيد، ولكنه لا يبني وطن، هو واجب، وقد يكون في بعض الأحيان، كما في حالتنا هذه، واجب وطني
ولكن... ماذا يقول الرئيس بشار الاسد. لقد قال مرةً،عند خروجه من إحدى مؤتمرات القمة، المعقودة في إحدى الدول العربية الخليجية، بحسب ما اذكر إذ قال: (علينا ألا نسمح أن يشغلنا الإستيطان، عن الوطن، فقضيتنا هيفلسطين، وليس إسرائيل).
لقد أثَّرت بي هذه الكلمات كثيراً، عندما سمعتها، واعتبرت بأن الرئيس بشار يود أن يقول، بأنه علينا ألا ننشغل عن الوطن، بالدفاع عنه، ولا مهاجمة أعدائه، بل الاهتمام ببنائه.
إرتُكِبَت أول جريمة قتل، من قبل قابيل ضد هابيل. هذا ما تطلعنا عليه، الروايات والأساطير، كانا لوحدهما عند خلق آدم وحواء، إلا أنَّ قابيل أراد أن يقتل، فقتل أخاه، فنفاه الله، وأتى بشيث.
آلاف البشر يموتون قتلاً، وكثيرون هم المشردون، والمتضررون من أزمات تعصف ببلادهم... ولكن... وإذ أكتب هذه الأسطر، أعلم أنَّ من سيقرؤها من بعدي لن يفهم ماذا أقصد بصورة واضحة، ولكنه سيعلم يوماً ما ماذا أقصد.
العدو الذي يعصف ببلادنا، بغض النظر عن حجمه ومنشأه، سيفرح ويتهلل إن دافعنا، وهو يهاجم كي ندافع، ويفعل كي نرد الفعل. ولكن الحل برأيي، ليس طبعاً، بإدارة الظهر، فالمشاعر تتأجج، من هذا التهجم اللحظي، الذي تشهده البلاد. لكن سوريا قبل الأديان، وقبل المذاهب، والطوائف، والأحزاب، هي قبل نيرون، وقيصر، وهتلر.. كانت وستبقى قلعة شامخة. فإن نيرون الذي أحرق روما، وقتل أمه قد مات، أمَّا روما فمزدهرة، وباقية،وخالدة، وهو قد مات.
سيموت يوماً ما أعداؤنا، وسيزولون، ويذوبون، وستبقى هذه الأرض الحبيبة كما عهدناها؛ لأنها حق والحق باقٍ، والباطل زاهق، فإنه لزهوقَ.
لذا علينا ألا نلهيأنفسنا كثيراً بمن يسعى ليعكِّرَ علينا صفونا، وذلك بألا ندافع كثيرا، بل أن نعبِّرَ عمَّا هو داخلنا، وأن يكون دفاعنا عن الوطن بهذا الإطار، وألا يكونكردة فعل بل فعل تأسيسي نتحدَّى من خلاله، مَن يحاول أن يدمِّر، ليس بأن نشهِّر به، بل أن نعمِّر بلدنا.
التحديات التي تنتظرنا، ومرحلة ما بعد المحنة، قد تكون أصعب من المحنة ذاتها، فالأعداء كثر، وأدواتهم متطورة، إلا أن أدواتنا هي حبنا لوطننا، ليس إلا، لذا علينا أن نرقى بهذا الحب كي يتجسد على أرض الواقع، إلى أن يرقى هو أيضاً بدورهبالوطن، فتشكِّل محبتنا الخالصة لوطننا العزيز، فسيفساء رائعة الجمال.
أمَّا كلمتي الأخيرة فللروائي الإيرلندي (جورج برناردشو) الذي يقول: (إذا جاءتك طعنة من الخلف، فهذا يعني انك في المقدمة). فسوريا تُطعَن من الخلف؛ لأنها في المقدمة. وكلنا يعرف الدكتور (سهيل خوري) ابن رئيس الوزراء السوري (فارس الخوري) والذي سألته ابنته الأديبة (كوليت الخوري) في غضون أحداث سنة 1982: (هل ما زلت مع المعارضة؟) فأجاب: (أنا مع الوطن. في الأزمات يبقى الوطن فوق الجميع، لا معارضة،ولا موالاة). نعم يبقى الوطن فوق الجميع، وهو دائماً على حق. وكم بالحري إذا كانيُطعن من الخلف.