news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
والدي رحمه الله.. قصة رجل من صراع الحياة إلى صراع الموت ... بقلم : جلال الحمد

 إلى روح والدي الطاهرة النقية

 إلى ترابته الكريمة


 رحمك الله و غفر ذبك و اسكنك فسيح جنانه

 والدي العزيز أدري بأني لو بكيت عليك الدهر كله لن أوفيك بجزء بسيط من حقك الكبير علي..

 في كل ليلة و في كل يوم ..

 

 في كل دقيقة و في كل لحظة وفي كل لمحة بصر

 لا يغيب ذكراك عن ذاكرتي و لا عن مخيلتي..

 أعلن بأني أحبـــ من صميم قلبي ـــك..

 ولن أنساك ما دام فيً قلب ينبض لأن هذا القلب ينبض مرتين: مرة لأحيا بها ومرة أخرى لأحبك  أكثر.

أبي حبيبي ..

 

 دعني أصف جزءاً يسيراً من سيرة حياتك و شيئاً قليلا من عطاياك العديدة و الكثيرة..

(أنت الذي أعطيت دون أن تنتظر أي رد.. لي و لأخوتي و أخواتي و أخوتك و مجتمعك ..)

 ولد والدي في قرية ريفية صغيرة تدعى تليلة و عاش مع أبيه و أمه المريضة و أخوته الثلاثة و كان والدي أكبر أخوته.

 عاش طفولته و هو يساعد والده بالعمل بأرضه  (كسائر أهل القرى) التي يزرعها في الشتاء و يحصدها في الصيف و طبعاً بالأساليب اليدوية القديمة و التي كانت تتطلب الكثير من الجهد و التعب.

 

 وكانت أمه المريضة لا تستطيع حتى أن تخبز لهم الخبز ليأكلوا طعامهم بعد نهار طويل من العمل. و لكنها كانت تعطي ضعفي العجين لإحدى جاراتها كي تخبز لها و لا تبقي أولادها و زوجها دون طعام.

 كان والدي في ريعان شبابه عندما فقد أمه التي عانت لسنوات من المرض. فأصبح بذلك يتم الأم..

 وبعد ذلك مرض جدي فانتقل والدي إلى المدينة مع أخوته ليعالجوا جدي و لكن دونما فائدة ليفقد أبي والده ..

 

 فأصبح يتم الأبوين وهو لا يزال في العشرين من عمره.. و مسؤول عن ثلاثة أخوة صغار

 عاش والدي أيام صعبة و عانى من الحياة ما عاني و بذل الكثير من الجهد ليربي أخوته و يعيشوا حياة كريمة..

 لم يتخلى أبي عن أخوته بل آثرهم على نفسه و كان معطاء بدون حدود لأخوته و مضيافاً لكل الناس رغم وضعه المالي الضعيف , لم يكن أنانياً يوماً كان كل همه أن يربي و يعلم أخوته..

 فكبر و علم و ربى وزوج أخوته..  لينهي بذلك مرحلة صعبة في حياته التي لم تعرف الراحة.

 

 تزوج والدي من والدتي و أصبح مسؤولاً عن زوجته و وبعد ذلك أولاده الثمانية  ليبدأ مرحلة جديدة من الصراع مع الحياة.

 وناضلت والدتي معه في معركة الحياة و عاشوا ع السراء والضراء يداً واحدة حتى انتصروا لنا..

 نعم انتصروا لنا.. (عاشوا من أجل أبنائهم و ضحوا كثيراً)

 لقد رباني والدي و ربي أخوتي على الأخلاق الحميدة و القول الصالح والكلمة الطيبة  (لم تخرج كلمة بذيئة واحدة من فم والدي)

 وشجعنا على التعلم رغم أنه لم يكمل دراسته سوى إلى الصف الخامس ..

 

 رغم فقره لم يطلب منا و لم يدعنا نعمل لنساعده في المصروف مقارنة مع أفراد قريتنا و حارتنا)

 بل دفع بنا باتجاه العلم و الدراسة فكان منا الطبيب و المهندس و الجامعي .. (فكنا الأسرة التي تُضرب بها المثل بالقرية بالدراسة إذا كان أخي أول طبيبٍ في قريتنا).

 ربما لم يكن هنالك شيء يسعد أبي ويفرحه أكثر من أن يرى أبناءه ينجحون عاماً بعد عام و يوماً بعد يوم ..

 لم أرى سعادة غامرة ممزوجة بدمعة فرح لأبي إلا و كانت من أجلنا..

 

 مرض والدي بالداء السكري اللعين أكثر من ثلاثين عاماً و بقي واقفاً على قدميه يعارك الحياة.. إلى أن دمر هذا المرض جسده و لم يستسلم و ضل يصارع الحياة..

 وفي النصف من رمضان لهذا العام دخل والدي إلى الغرفة بعد أن توضأ ليصلي صلاة العشاء و لكنه..

 ولكنه سقط على الأرض فكسرت رجله اليسرى من الفخذ بسبب هشاشة عظمه نتيجة لداء السكري المزمن..

 

 (لم يستطع أن يصلي صلاته الأخيرة واقفاً و لكنه صلاها على سرير المشفى) نرجو الله أن يتقبل صلاته..

 أجرى الأطباء لوالدي عميلة جراحية (ووضعوا صفيحة في قدمه لجبر الكسر) إلا أنه و بعد حوالي أسبوعين من الصراع المرير (ولكن صراع من نوع جديد هذه المرة) صراع مع الموت .. فارق الحياة.. الحياة الظالمة ..

 مات والدي ... مات أمام عيني ...  نرجو الله أن يكون في جنات الفردوس الأعلى...

 

 قلت حينها ( لله ما أعطى ولله ما أخذ و حسبنا الله  ونعم الوكيل.. إنا لله وإنا إليه راجعون)

 ثم بكيت و انفجرت في البكاء وكاد أن يغمى عليً  رغم أن أخوتي و أبناء عمي حاولي تهدئتي و غسلوا وجهي بالماء البارد..  ثم قررت أن أقف كالرجال مثلما وقف أبي في حياته .. (كنت أدري بأنني لو بكيت عليك يا أبي الدهر كلها فلن تعود إلينا)

 وقفت و قرأت بعض السور من القرآن الكريم , و ذهبت خارج المنزل كي أقوم بالتحضيرات المطلوبة  للدفن وواجب العزاء.

   - لم يعش والدي يوماً لنفسه كان دائماً يعيش ليحيا غيره...

 

   - لا أذكر يوماً ضحكة قوية لأبي..

 هكذا كان والدي رجلاً بطلاً رغم حياته الصعبة , قوياً رغم مرضه , جواداً رغم فقره ..

 كان حنونا محباً كريماً سموحاً كبيراً... لكل من حوله

 اللهم أجعل مثواه الجنة فأنت تعلم قلبه النقي الصافي.. وتعلم بأنه لم يؤذي أحداً من عبادك لا بيده ولا بلسانه..

 

2011-09-28
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد