غبطة البطريرك:
سمعت تصريحاتك التي تخص سوريا وحزب الله. وبالحقيقة أنها تصريحات تعبر عن موقع مقامية بكركي، كبطريركية مركزية، يصح جعلها، صوت صادق وصارخ بأسم الموارنة.
عهدنا في البطاركة الموارنة، من يوحنا مارون، إلى الحويك، والخريش، الى صفير، ومن ثم انت، عهدنا أن تكون البطريركية المارونية، صوت يصرخ، ويصدح في هذا الشرق.
أنا لست مع تدخل رجال الدين في السياسة، ومن هذا المنطلق أنا مع تصريحاتك هذه.
أنا لا أفهمها على خلفية كونها موقف سياسي، تعبر من خلاله عما فيك، وما تمثله من وراءك، هي ليست أقوال عبرت بها عن مكنونات القلق، بل ترقى في قلبك وضميرك، كأسقف كاثوليكي حد الواجب الملقى على عاتقك، منذ أن تسلمت عصا الرعاية الأسقفية.
في الفكر الكاثوليكي ثلاث مهام للأسقف كأكليريكي، تميزه عن العلماني، وهي: 1ً-الرعاية.
2ً-التقديس(وهما ميزتان تشترك بهما الكنيستين الكاثوليكية، والأرثوذوكسية).
3ً- الحفاظ على الرعية، وصون حقوقها، ومكتسباتها.
وأنت بتصريحاتك هذه، قد قمت بواجباتك، إذ لم تكن طرف، ولا حكم، بل حاكم ليس حيادي، بل موضوعي؛ لأنك منحاز إلى الحقيقة. إن موضوعيتك هذه أكسبت تصريحاتك القيمة الواجب توافرها، في تصريحات أي أسقف كاثوليكي، يسعى للحفاظ على أبناء رعيته.
لم نعتد وخصوصًا في الفترة الأخيرة، أن يكون البطريرك الماروني، هدف، يستهدفه المارقون، والمتحزلقون؛ لأن البطريرك السابق، لم يكن حاكمًا، بل محكومًا لجهة معينة، رعى مصالحها، وعمل من أجلها، لا لأنه على قناعة بها، بحسب رأيي، بل لأنه بتقديره لا يأمن للطرف الآخر، مع أنه بالحقيقة: مابين (حانا)، و(مانا) ضاعت لحانا، وربما حالنا كمسيحيين؛ بسبب انحيازه لمن يعادي الوجود المسيحي في الشرق.
غبطة البطريرك: لا تظن أن هذه التصريحات، ستكون سهلة التطبيق، والتقبل، وانت أدرى؛ لأن المسيحيين عمومًا، والموارنة بصورة خاصة، اعتادوا من بكركي في الفترة الأخيرة أن تكون طرف، وليس حكم، ويشهد الله، أني لم اعتبرك حكمًا؛ لأن تصريحاتك تتوافق وفكري، ومبادئي كسوري عمومًا، وكمسيحي بصورة اخص؛ بل لأنها تنسجم، والخط العروبي المسيحي الحر، بعيدًا عن الاصطفافات المناطقية، والمذهبية، والطوائفية الضيقة لتنطلق إلى قضاء أوسع وأرحب. وربَّ دليل على ذلك، هو مهاجمة فرنسا لها، تلك القيادة التي لم تقنعك بمنطوقها، بأليزيهها، لذا عبرت بما ينفع على المملئ.
أرجو أن تعلم غبطة البطريرك، بأننا معك، وليس وراءك. نشكر لك صدقك، وصداقتك، وقد عهدناك رجل حكمة وصبر، منذ كنت مطرانًا للبترون، ورئيس للجنة الإعلام الكاثوليكي. وكانت بكركي بالنسبة لك خط أحمر، ولم تسمح يومًا بالسير فوقه، ولا حتى قربه، وقد فهمت من ذلك، يومئذ بأن للمقامية التي يتمتع بها هذا الصرح التاريخي، والديني قدسية يتوجب الدفاع عنها وصونها. وتصريحاتك الأخيرة هذه، قد كرَّست ورسَّخت هذا المفهوم؛ لأنك لم تحترم مبادئ من دافعت عنهم، بل احترمت نفسك وكنيستك، وصرحها، بعد أن تلطخوا بأشكال وألوان عدة، وبذلك أعدَّت للصرح نفسه، وروحه العروبية التي تجسدت على أرض الواقع، مناقشات، ونقد وهذا ما يدل على أهميتها، إذ أثارت إنقسامات، وقد تثير أكثر؛ وقد تحوِّل بكركي إلى مرحلة انتقالية جديدة، وقد تكون مفصلية. وقد يكون مخاضها عسير، وربما شبه مستحيل إلا أنه ضروري؛ لأن البطريركية المارونية كمركز لزمرة تشكل نسيج إجتماعي، وطائفة، رجل المنصب الأرقى في الشرق (الرئيس اللبناني).
إعلم أن هذه المرحلة ستكون فيها، بقربك، ونصلي من اجلك.
غبطة البطريرك: أرجو أن تبقى على هذا النهج الناضج، والمشرف؛ لأن الشرق بحاجة لرجال مثلك.