لم أعتد أن أكتب في السياسة ولكنني خلقت في الوطن وعشت على نغمات عصفورة جارتنا...و مع رشفات قهوة جدتي
وبالتالي فإن الوضع الذي آلت إليه الأوضاع في وطني الحبيب لا تسر أحدا , ولابد أن الجميع يشاركني الحزن والآسى على ما آلت إليه الأوضاع.
ولن أخوض هنا في دوامة الإتجاه والإتجاه المعاكس التي يخوضها كل من المعارضة والنظام فهذه الدوامة لا تودي إلا إلى الهلاك للطرفين.
ولكن من واجبنا هنا وكنظرة علمية للموضوع وبغية تشخيص المشكلة أن نتبع الأسلوب المنطقي التالي :
1- التشخيص الحقيقي للمشكلة.
2- معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الكارثة.
3- وضع خطط واضحة وبينة وقابلة للتحقيق وبالتالي مداواة جسد الأمة.
ومن البديهي أن تكون الخطط بجداول زمنية معتمدة على المصادر اللازمة .
ومن هنا ينشأ لدينا مجموعة كبيرة من الأسئلة التي تصب في خانة التشخيص الحقيقي للحالة.
واسمحوا لي أن أطرح وجهة نظري الشخصية في هذا المجال .
لقد قامت الدول العربية ومن بينها سوريا نتيجة لتقسيم استعماري للمنطقة ورفض بعض المثقفين والسياسيين هذا التقسيم وبحثوا عن مدرسة تنجيهم فظنوا بأن المذهب القومي هو المنجي للأمة من هذا الكرب العظيم.
وبالتالي نشأ ما يسمى الفكر القومي بكل تياراته وكعادة العرب عبر التاريخ لا يفتأووا يجترون أفكارهم ويتخمون أحلامهم في أعمالهم ولا يقرنون أي هدف بمخطط وخطة وزمن فما كان من هذه الفكرة القومية أن تحولت إلى شعارات رنانة و إحتفالات وأحزاب خاوية متصارعة لم تستطع وعبر عمرها المديد من إنتاج مدرسة فكرية سياسية قادرة على الحياة والتطور
وبسبب فقرنا الشديد لوجود مفكرين يحملون على كاهلهم النهوض بالأمة وبسبب تحول ما يسمى بمفكرينا إلى أقزام يقتاتون على الفتات ويكررون ما تعلموه عن أساتذتهم ويتصارعون بينهم غباءهم وحمقهم .... وصلنا إلى مرحلة الخواء الفكري والذي تبعه وبطبيعة الحال خواء إجتماعي وخواء إقتصادي وخواء ثقافي .
وبالتالي ومن وجهة نظر مراقب خارجي فالأمة غثاء كغثاء السيل .... ومن المضحك بأن الشعوب العربية ( ولا يمكن القول في هذا العصر بأن هناك شعب عربي واحد )
كلٌ يُعرف كلمة الأمة على هواه وهذا طبعاً يتبع للنظام السياسي القائم وليس لقناعة الأفراد.
إذا يجب علينا أن نعترف وبأننا خلال مئات السنين السابقة لم نستطع أن ننتج ما يخصنا على كل المستويات . فلم نستطع منذ فجر الإسلام وحتى اليوم أن نصل إلى تعريف حقيقي وواضح للدولة ولم نستطع أن نصل إلى تعريف حقيقي وواضح للأمة وبالتالي لم ننجح أبدا بإقامة الدولة الأمة حتى في فترات ازدهارنا التي كانت فترات طفرة .
وسبب قولي بأنها فترات طفرة يعود بشكل أساسي لعدم اتباعنا للنهج المنطقي في تكوين الدولة فقد أنتجت تلك الفترات مفكرين وعلماء ولكن المشكلة الحقيقية بأن ذلك الفكر وذلك العلم ظل بعيدا عن ميادين الحكم وطُبع بطابع المجتمع القائم على الشخصنة.
فأنظمة الحكم المتعددة التي حكمتنا خلال ال 1500 سنة الماضية لم تكن تخرج أبدا عن مضمون الشخصنة وبالتالي تطبع المجتمع بهذا الطابع وأنتج فكرا وعلما معتمدا على الشخصنة وصار هذا المرض ينهشنا ويقف حائلاً بيننا وبين الوصول إلىإنتاج مدرسة حقيقية تنمو وتتطور.
فمثلا عندما نذكر فتح القدس نذكر عمر وعندما نذكر صرخة المرأة العربية من الروم نذكر المعتصم وعندما نذكر الطب نذكر ابن سينا والفارابي للفلسفة والموسيقة
وحتى المذاهب واللملل والنحل كلها مشخصنة ومازالت مشخصنة.
من المرعب حقاً أن نعيش وهماً خانقاً نجمل فيه بألوان باهتة تارخنا المشوه.
هل تعلمون يا سادتي الكرام بأن كل نظام سياسي يكتب التاريخ على هواه ويكتب الجغرافيا على هواه ويصيغ علوم الطب والفيزياء على هواه ويعلم الشعر والرواية وقصص الأطفال على هواه.
ويؤلف الموسيقى ويعزف القانون ويُحضر خلطة القهوة والشاي والمتة على هواه !!!!!!!!!!!!
من المؤلم حقاً أن ينتقل العربي إلى مراقب خارجي ... من المؤلم أن ينظر لأمته بمنظار الحقيقة .... أن يبعد الأوهام والأحلام والخيالات والسخافات عن حساباته .... ويمسك بالورقة والقلم ويرسم الحقيقة , الحقيقة ما وصلنا إليه اليوم كان من صنع أيدينا نحن .... فنحن من عودنا السطان على الطاعة العمياء ورضينا وعبر تاريخنا بكل أنواع الأباطرة والملوك والأمراء والزعماء والرؤساء .
لم نستطع حتى اليوم تحديد هويتنا الحقيقية ..... حتى على نطاق لا يتعدى الكيلومترات هناك مئات الإنتماءات لم يأت فكر بطريقة لتعريف الهوية ولتحديد الهوية ولطريقة حقيقية لتنمية الهوية
فأبن القبيلة من المستحيل أن يكون إنتماؤه للوطن قبل القبيلة وأبن الطائفة كذلك وأبن المنطقة كذلك وهذا بين العامة والخاصة خاصة الخاصة
ولكن في حال سفر أي شخص من هؤلاء إلى أمريكا وحصوله على الجنسية الأمريكية فإنه يرسل إليك رسالة يتخمها بالإنتماء إلى أمريكا , وهذا طبيعي جداً فالإنتماء الحقيقي ينشأ لهوية تحمي وتُلبي ومادامت في الأصل هويتنا غير معرفة فإنها لا يمكن بحال من الأحوال أن تصل إلى مرحلة التلبية والحماية
تعودنا في تاريخنا أن ننحت الأصنام ونج سعادة كبرى في تلوين تماثيل الفراعنة والجوس في أحضانها والركوع أمامها وتقديم حلوى العيد في أعيادها لدينا ألف مثل وقول للرضا والقناعة ونستطيع بعضلاتنا المفتولة لي عنق الشعائر والآيات والأحاديث حتى تناسب أهواءنا وعندنا بحار من المداد لرسم خطوطنا الحمراء
نربي أطفالنا على تقديس الخطوط الحمراء التي ورثناها عن أجدادنا ونزيد عليها ما تتفتق عن عقولنا الحمقاء فنقيد أنفسنا بحجة أن هذا ما ألفينا عليه آباؤنا وإنا على أثار هو لسائرون
وبما أن أجدادنا وصلوا للصين والصومال .... فطريقهم وخطوطهم الحمراء وحماقاتهم توصلنا إلى الصومال؟؟؟؟؟؟؟
الأمراض في بلدي كثيرة كثيرة ... متنوعة وشديدة .... ومن البديهي القول بأن جميع الأحزاب ( أو ما يسمى أحزاب ) فاشلة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى .
ومن المضحك هنا بأننا نذكر الأحزاب بذكر زعمائها لا بذكر فكرها ... مع العلم بأنه لا يوجد أي حزب من الأحزاب في سورية أو حتى في الوطن العربي يتمتع بمدرسة فكرية ناضجة وواضحة وعلمية .... فكل الأحزاب نسخ مشوهة عن تجارب الشرق أو الغرب ولا يوجد أي حزب خُلق من رحم الأمة.
وبالتالي فجميع الأحزاب سواء كانت في الحكم أو في المعارضة فهي قطعاً فاشلة ومفشلة ولن تستطيع بزيها الحالي أن تنتج فكرا واستراتيجية قابلة للتحقيق وتستطيع أن تصل بالبلد إلى بر الآمان.
وهنا لابد أن ننوه بأن هذا بالطبع ينطبق على حزب البعث العربي الإشتراكي والذي فقط بصره قبل أن يولد فهذا الحزب ( وأنا من المنتمين له ) تسلم زمام الحكم في سوريا والعراق قبل أن ينضج ... و يمكننا أن نقول بأنه نشأ قبل أن تتكون وتتبلور الفلسفة التي يقوم عليها ودخول الجيش إلى صفوف الحزب في القطرين ( العراق وسوريا ) وإقصاء المثقفين والمفكرين المنتمين إلى الحزب وتهميشهم بل وتحطيمهم جعل الحزب يتابع حياته بخطاً شعواء غير واضحة وجعل الفكرة التي قام عليها مهترئة فلا تجديد ولا تحديث ... فمات الفكر والفكرة وما بقي أعجاز نخل خاوية .... بيت قديم وبئر معطلة.
وبالتالي يجب أن نبحث عن الحل ...............؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
والحل من وجهة نظري بأن يبدأ كل بنفسه فلينظر لنفسه على حقيقتها دون تشويه أو تجميل وبالتالي أن يبدأ بوصف حالته ووضع سلبياته وإيجابياته إضافة إلى وضع أهدافه.
ثم ننتقل للمرحلة المتعبة وهي وضع خطة حقيقية علمية للتغلب على السلبيات وتدعيم الإيجابيات وبالتالي ننتقل إلى تحقيق الأهداف ودراسة الأدوات المتاحة ومن ثم وضع الإستراتيجيات اللازمة للحفاظ على المكتسبات والتقدم نحو أهداف جديدة
فلنتبعد عن نقد الآخرين فمن لا يستطيع نقد نفسه بموضوعية وشفافية ولا يستطيع الإعتراف بخطئه لن يملك الحق أبداً على أنتقاد الآخرين .
وليكن الهدف من إنتقادنا للآخرين تنمية للذات أولاً وللغير ثانياً
فلنبتعد عن الحقد الأعمى الذي ورثناه عن أجدانا ولنبدأ صفحة جديدة مع الجميع ولا نحمل الكل مسؤولية البعض ولا البعض مسؤولية الكل
فلنعرف المسؤولية تجاه أنفسنا وعائلتنا وجارنا وقطتنا وشجرتنا ومائنا وبلدنا
فلننتمي لأمتنا التي هي ضمن حدودنا ولا نجعل من الأحلام والشعارات معوقات في طريق تطورنا فالأمة الدولة والدولة الأمة هي الوليد السليم القابل للحياة ومن ثم يمكن لنا أن نوسع طموحاتنا بوضع أهداف وشعارات قابلة للتحقق.
لنكف عن لوم النظام فنحن جزء منه شئنا أم أبينا ونحن شركاء في صنع قراراته وتنفيذ سياساته ولنتحول إلى شركاء حقيقيين قادرين على المساهمة بالقيام بواجباتنا.
لقد ترهل حزب البعث بسبب ترهل المجتمع وبسبب ترهل الفكر وبسبب ترهل الثقافة ونحن من شارك في هذا الترهل ومن هنا يجب على صناع القرار أن يستيقظوا ويكفوا عن لعب دور الطرف الثاني في الإتجاه المعاكس
وليعملوا على الإستفادة من تجارب الآخرين في كل المجالات ... والأهم من كل ذلك فليبحثوا عن المفكرين الحقيقيين في سوريا أو في الأوطان العربية أو المحيطة وليأتوا بهم إلينا وليطلبوا منهم تشخيص حالتنا ووضع خطط للشفاء منها.
فالمريض لا يمكن أن يشخص حالته أفضل من الطبيب , والطبيب الناجح يعتمد على تحاليل وصور , وفي الحالات المستعصية كحالتنا يتم اللجوء إلى مجلس إستشاري فكري حتى يصهر كل الخبرات ببوتقة الترياق.
هذا ما يجول بخاطري وأرجو أن لا أكون قد شططت ولكن المكتوي بالنار يصعب عليه كتمان الصراخ لأمتنا ( نحن السوريون ) كل العافية والأمل والعمل والعمل والعمل والعمل