ليست الخطابات الحماسية الرنانة، والكلام المزيّن بالمصطلحات، هي التي تضيء طريق الذكرى الـ 87 لتأسيس الحزب الشيوعي السوري، بل الطريق النضالية الطويلة، والعمل الدؤوب ونضال ألوف الشيوعيين.
عندما أشرقت الشمس على منطقة (الحدث) في بيروت في الثامن والعشرين من تشرين الأول عام 1924.
ففي خريف ذلك العام اجتمع عدد من العمال والمثقفين بعدد أصابع اليد، وأعلنوا في بيان توجهوا به إلى العمال والفلاحين والمثقفين والكادحين في لبنان وسورية، عن تأسيس الحزب الشيوعي في سورية ولبنان. وظل الحزب في البلدين الشقيقين موحد الاسم حتى منتصف الستينيات. وللحزبين الشقيقين تاريخ مشترك عاصرا فيه مراحل نضالية، وقدما الشهداء في المعارك الطبقية والسياسية، ضد الاستعمار الفرنسي حتى نيل الاستقلال، وضد سيطرة الإقطاع والدكتاتورية السوداء والحكم البرجوازي.
وقدم الحزب الشهداء في سبيل التحرر الوطني، والدفاع عن الديمقراطية وضد الاستغلال والاضطهاد. وتعرَّض الشيوعيون السوريون لحملة اعتقالات واسعة في عهد الوحدة، شملت الآلاف من الشيوعيين وأصدقائهم، الذين تحملوا التعذيب الجسدي والنفسي. ولا يزال دم القائد الشيوعي البطل الرفيق فرج الله الحلو (أبو فياض)، الذي استشهد في الخامس والعشرين من حزيران 1959، وصمة عار في جبين النظام القمعي الاستبدادي.
إن سياسة الحزب لم تكن خطاً مستقيماً، كما هي الحياة، بل هناك صعود وهبوط في الخط البياني النضالي.. نجاح وفشل.. إيجابيات وسلبيات.. سجون ومطاردة، ونفي وحصار.. عمل سري وعمل علني.. اتهامات وإشادة.. تحريض وتشويه، وكتابات سود وأخرى ناصعة البياض.. وهذا هو سجل الشعوب وسجل الأحزاب في العالم..!
إن الحزب الشيوعي السوري(الموحد)، يسترشد بصورة خلاقة بالماركسية- اللينينية وبمنهجها المادي الجدلي التاريخي، وبمنجزات العلم وبكل ما هو تقدمي في الفكر العربي والإنساني.
وعقد الحزب مؤتمره الحادي عشر، عشية هذه المناسبة الغالية على قلوب الشيوعيين وأصدقائهم، واتخذ قرارات وتوجهات هامة في جميع المجالات الحزبية والوطنية والقومية. وأكد الحزب الدور المحوري لسورية في الشرق الأوسط، ومقاومة المشروع الأمريكي- الصهيوني وضرورة تطوير الحياة الديمقراطية، واحترام الحقوق الشخصية للمواطنين وصون كراماتهم، ومنع الاعتقال الكيفي، واستقلال القضاء وفصل السلطات. وتلبية مطالب العمال والفلاحين والمثقفين والشباب والنساء وصغار الكسبة، وتحرير الجولان باعتبارها من المهام الأساسية التي تواجهها بلادنا. وفي تقرير المؤتمر الصادر حديثاً قضايا كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
وكانت سياسة الحزب واضحة وصريحة، وحدد الحزب موقفه من الأزمة الراهنة التي تمرّ فيها سورية، وكيفية الخروج منها. فوصفها بأنها أزمة مركبة داخلية وخارجية، تتمثل بضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تلبي مطامح السوريين إلى صيغة ديمقراطية، تؤسس مرتكزات الحياة السياسية التعددية، كما تعيد النظر بالسياسات الاقتصادية التي ألحقت الضرر بالقطاعات الإنتاجية في البلاد، وانعكست سلباً وفقراً على الفئات الاجتماعية الفقيرة، وعلى رأسها الطبقة العاملة في البلاد. كما أكد حزبنا أن الأزمة التي تمر بها سورية لها أسباب تتعلق بالمخطط الأمريكي - الصهيوني الذي يراد له أن يرسم مستقبل منطقة الشرق الأوسط، لتكون محابية للسياسة الأمريكية والصهيونية، وتتجاهل مصالح بلدان وشعوب هذه المنطقة، وهذا ما أصبح واضحاً للجميع، خاصة بعد حملات الضغط والعقوبات والتلويح بالتدخل العسكري التي تقودها الولايات المتحد والدول الأوربية الشريكة لها.
إن سورية تتعرض لضغوط متعددة الاتجاهات والأهداف، من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ومن الدول الرجعية في المنطقة، والتدخل في الشؤون الداخلية، لحرفها عن خطها الوطني وعزلها، لكنّ هناك في المقابل أصدقاء داعمين لها، وتشكل الجماهير سنداً قوياً، للحفاظ على السيادة الوطنية والقرار السياسي المستقل.
إن حزبنا يؤكد من جديد في هذه المناسبة (الذكرى الـ87 لتأسيسه) ضرورة الإسراع في تنفيذ المراسيم والقرارات، وتلبية مطالب المواطنين المشروعة، وعقد مؤتمر الحوار الوطني، الذي يضم ألوان الطيف الوطني، من جميع مكوّنات المجتمع السوري. وإنجاز الدستور الجديد، والانتقال بسورية إلى مرحلة جديدة، إلى سورية الديمقراطية العلمانية الزاهرة.