news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
بين الرشوة والقهوة ... بقلم : م فواز بدور

تعوّدت صباحاته على ارتشاف الرشوة كما تعوّدت صباحاتنا على ارتشاف القهوة


فجرعة الرشوة  هي المحركة والرافعة الأساسية أو الضرورية لينتقل من حالة الكسل والخمول إلى حالة النشاط الذهني والجسدي  لدرجة تجعلك تخال في كثير من الأحيان الصباحية أنه  يشكو من اختلال في معدلات ونسب المواد في الدم كالسكر والشحوم و . . .  فحالة التعب والإعياء والحركات المتثاقلة التي تسيطر عليه مرفقة بحالة من عدم التركيز الفكري ناهيك عن العصبية وردود الأفعال المتشنجة وغير المبررة في غالب الأحيان تُشعرك بوجود خلل في توازن مكونات ذلك الجسم المثقل بأعباء المصلحة العامة .

 

وصاحبي هذا تمتد فترة استيقاظه  من اللحظة التي يفتح فيها عينيه إلى اللحظة التي ترتسم فيها البسمة على شفتيه كتعبير عن بدء ارتفاع معدل الرشوة في الدم تلك اللحظة التي يسميها عقله الباطن بالاستفتاحية المباركة  وهي لحظة بدء النهار و تصفير عداد الغلة اليومية وهي ذاتها لحظة الانتقال من التأفف والوجوم إلى الفرح والسرور فلا فنجان القهوة ولا غناء فيروز ولا ركوب السيارة ولا الجلوس وراء المكتب ولا شرب الفناجين الكثيرة من القهوة والنسكافيه بدعاياتها المختلفة للصحصحة  ولا حتى الغداء أو العشاء ولا الأوامر ولا رنين التليفون  ولا . . .ولا . . . , كل ذلك لا يستطيع التأثير على تنبيه جملته العصبية  لنقله من حالة السبات إلى حالة  النشاط والحركة .

 

وكي لا نكون مبالغين  بمدى تباطؤ ردود فعله وتكاسله نقول يكفيه فخراً أنه بمجرد استشعاره بوجود الرشوة حسب منعكس بافلوف تظهر إمارات الارتياح على ملامح وجهه وتنتهي بذلك مرحلة التذمر من ضعف مستوى المعيشة وقلة الدخل وكثرة المتطلبات والدوام وضغط العمل وكثرة المراجعين وعدم تفهم الآخرين لهذا الضغط من مساعدين ورؤساء ومرؤوسين لدرجة تشعرك أن انتظام الكون  قائم على قيامه بأعباء وظيفته , وأكثر ما يدهشك أنه في اللحظة التي يتم فيها إرسال السيالة العصبية المعبرة عن إحساسه بوجود الرشوة تنقلب العبارات  فجأة من التذمر إلى ضرورة قيام الإنسان بواجبه على أكمل وجه سواء وجد من يقدّر ذلك أم لم يوجد  وأنّ ليس للإنسان إلا عمله وأنه عندما يقوم به بشكل صحيح ودقيق فهو ينام هانئ البال مرتاح الضمير حتى ولو سكن طيلة عمره ببيت مستأجر ولم يستطيع تأمين كامل متطلبات الحياة "فالقناعة كنز لا يفنى " و " مين رضي عاش " والكثير الكثير من الشعارات التي درج على استعمالها في الاجتماعات والمقابلات  .

 

أما إبداعاته فلم تك يوماً أدبية أو فنية أو رياضية هي أبداً في اكتشاف مكامن الرشوة وطريقة الوصول إليها وهي تظهر جلية في نظرات الذكاء المفرط في عينيه أثناء استدراجه وانقضاضه على فريسته فما إن يلمح أن وراء الطلب ما وراءه حتى يستدرج فريسته إلى الفخ المنصوب بعناية وغالباً ما يبدأ حديثه بأن هناك بعض اللا متفهمين  لضرورة التعاون مع صاحب الحاجة وعدم تقديرهم لحاجات الآخرين وأنه كمسؤول مضطر لتحويل بعض المعاملات إليهم في غمزة وتهديد بإحالة موضوع الفريسة إلى أحد اللا متفهمين  المعقدين الذين يضعون العصي في العجلات ويشترطون التطبيق الحرفي للقانون بلا وازع من أخلاق أو رادع من ضمير وعندما يظهر الخوف على الفريسة وتعرض أي شيء مقابل عدم الوقوع في قبضة وبراثن اللا متفهمين وقبل أن ينتقل إلى المساومة على المبلغ المطلوب يظهر الكرم والاحترام للضيف بطلب فنجان قهوة أو كأس من الشاي ويتلهى عنه  بتوقيع بعض الأوراق أو إظهار قبضته الحديدية على بعض مرؤوسيه فيقوم بتحقيرهم وتهديدهم ومعاقبتهم حيناً أو مسايرتهم وممازحتهم بشكل يظهر فرض سيطرته عليهم حيناً آخر ...

 

وما إن يبدأ الضيف بتناول ضيافته مبدياً تقديره لحسن الضيافة والاحترام الذي يعامل به حتى ينتقل صاحبنا إلى الخطوة الثانية بإغلاق الباب والانفراد به و الحديث عن الجشع عند كل الآخرين من قيادات ومرؤوسين فالمرؤوس لا ينفذ ما يطلب منه إذا لم يقبض والرؤساء لا يعذبون أنفسهم بالتوقيع قبل أن يدخل جيبهم المعلوم   وهو بمنصبه يتحمل مسؤولية كبيرة باختيار العناصر المتفهمة وإقناع القيادة بتنفيذ المطلوب ولا يوجد شيء بدون مقابل ويستمر التذمر المعسول بالرغبة في المساعدة حتى يعرض صاحب الحاجة قيمة المبلغ الذي سيقوم بدفعه لتسيير أمره  ومن اللاشعور سيجيب أبداً " لأ هيك قليل " و "ما فيني بهيك مبلغ ساعد" و" بدك ترفع المبلغ" و "متل ما بتعرف كل شي عم يغلى " و الكثير من عبارات المساومة التي اعتاد عليها ولا يمكن لأحد مجاراته بها وتثبت أبداً أنها ناجعة في الوصول إلى أعلى مبلغ يمكن للفريسة دفعه

 

أما سياسته فلا تستند لا إلى علم ولا إلى نظريات اقتصادية أو اجتماعية كل ما هنالك أن يجمع حوله عدد من الفاسدين الذين يقومون بالتوقيع مقابل المال على كل ما يخطر ببالك مما يمكن تغطيته قانونياً أو حتى ما لا يمكن وأن لا يقوم هو بإسناد أي عمل من ورائه فائدة لأي إنسان ما لم يُثبت فساده وولائه الكامل مهما علت الأصوات بالمطالبة بالعمل أو عدم العدل في توزيع العمل فكل هذه التهم يمكن الرد عليها كلاميا وبأسلوب إنشائي يُظهر المُطالب بها كأنه يسعى لمصلحته على حساب المصلحة العامة وهذه خطيئة لا تغتفر تجعله يصل معه إلى حد القطيعة  والمخاصمة حتى بالسلام .

 

ومن الجهة الأخرى فيقوم بإرضاء الإدارة من أدنى مستوياتها إلى أعلاها بتنفيذ كل أوامرها  المشبوهة وغير المشبوهة على مبدأ "اربط الحمار محل ما بدو صاحبو " عدا عن تقديم كل فروض الطاعة والولاء بالهدايا الكثيرة  المادية والعينية وكلمات التملق إلى درجة ربط رضا الله عز وعلا برضا الإدارة وإظهار الحرص على مصلحتها بالنم والنميمة ونقل الأخبار والأحاديث الكاذبة والصادقة وسب الأعداء ومدح الأصدقاء و ...

 

إضافة إلى إرضاء الجهات الوصائية والرقابية  من لحظة وصولهم إلى الدائرة إلى لحظة خروجهم منها بمهمة أو بلا مهمة داخل أو خارج أوقات الدوام وما من مانع يمنعه من استخدام سيارته المخصصة لنقل أطفالهم إلى المدرسة والروضة أو حتى إعطائهم السيارة أيام الدوام وأيام العطل لقضاء حاجاتهم أو الترفيه عنهم وعن عائلاتهم

 

ومن باب الطرافة فإنه دائماً يبتسم وهو يتكلم عن الفساد والمفسدين أكثر من أي مصلح سياسي أو اجتماعي وتراه يضع الحلول ويبين صعوبات تطبيقها لأن الآخرين كل الآخرين لا يستطيعون العيش بدون فساد وأن الفساد صار في دمهم كالنكوتين فلا يمكنهم الحياة بدونه

 

أما هو فإن الشيب الذي غزا شعره دليل على مقارعته الفساد في كل المحافل الداخلية والخارجية وعلى كل المستويات

وهاهو الآن ينتظر دوره للدخول على مكتب المحقق في هيئة مكافحة الفساد  وقد قيل له إن هذا المحقق  لم يرتشِ يوماً , فهل يصدّق بوجود رجل لا يمكن رشوته وبالتالي  انهيار مملكته هل من الممكن أن تكون تلك نهايته  . . . لا زال على باب ذلك المحقق يأمل ألا يكون ما سمعه صحيحاً . . . 

 

2011-11-30
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد