لا أعلم إن كنا سنودع سنة مضنية، ونستقبل أخرى فرحة. لكني على يقين بأن الإنسان أمَّال بفطرته؛ لأن ما يربطه بالأرض من أواصر ترسخ أقدامه، قد يفوق ما يتعلق بالواقع نفسه.
فالأمل جزء من الحياة، وفي سنتنا الغابرة كان أساس وحسب، كان مرتكز، ومنطق، ومنطلق انطلقنا وانتقلنا منه إلى أبعد من الواقع. به عشنا وعايشنا الميتاواقع، لئلا نقتصر على الواقع الحزين، بل أن نطال عمق الآتي. فطرحة العرس يسبقها ألم التحضير له، كما أن أمل ما بعد التجربة، ما هو إلا نتيجة ضرورية لجملة ومجموعة من التحضيرات والخبرات.
وأنا كمواطن عربي أولاً، وسوري ثانيًا، لا زلت أنتظر، وأتأمل، ولا أسمح لنفسي أن أشعر بغصة الألم؛ لأن درب الجلجلة المفترض سيره قد يكون كريبًا، لكنه في الوقت نفسه قد حلَّ، ولا يُسَوَغ لنا الآن، أن نتحسر، وننحصر في بوتقة ما، لا تنفع شيئًا. فما حل قد حل، وما جرى قد جرى. فنحن لا ننظر، بل علينا ألا ننظر للماضي، لنفيده، بل لنستفيد منه. وكيف تستفيد منه؟ هل بكتابة المقالات، أم بإطلاق الهتافات...، بالطبع، لا، بل أن يحمل كلٌ منا مسؤولية وعبء ما جرى، بأن يصبح إنسانًا جديدًا، بالمفهوم الكينوناتي الكامل، وليس مجتزئ من كل، بل الكل من كل؛ كي يكون هذا الكل، جزء من كل، هو الكم الأكبر، فنكون فسيفساء، ليست جميلة الشكل، بل عميقة الفعل؛ لأن ما يُطلب منا قد يكون فوق الإمكان، لكنه في الوقت عينه، ممكن التحقق.
إذ لا مستحيل لصاحب الإرادة، ولكن وجود الإرادة، يتطلب تحقق التصميم، وهدا الأخير نتيجة طبيعية للتفكير، الذي هو محصلة تشغيل العقل، الذي وهبنا إياه الله، وخصنا به، ليس لنسيطر على الطبيعة بما فيها وحسب، بل لنسيطر على أنفسنا ونتحكم، ونجابه الشر الذي تنكره ونكرهه، ونعمل الخير الذي نبتغي وينبغي القيام به.
أعاهد الله، ووطني، ودم كل شهيد. أن أكون مواطنًا بكل ما للكلمة من معنى، بأن يتملكني حب الوطن، وألا أمتلكه وأذهب به حيث أشاء. ودلك بأن أصبح مثالًا، لإنساني القديم، بأن ألهج، بحب الوطن من خلال سلوكي الذي يعبر عن حبي، وألا أسمح لنفسي بأن أعبر عن نفسي من خلال الأقوال التي قد تذهب بي أبعد مما أشاء، وتشاء. بل أن أكون كما أكون.
أنتظرها سنة جديدة، بكل ما للكلمة من معنى، تغسل بدماء سابقتها المقدس، خطايانا وأخطاءنا. وأن نُكمل وتُكمل مسيرة جدية وجديدة قد بدأناها.