لا يمكننا بأي حالٍ من الأحوال التغاضي عمّا وصلت إليه المرأة السورية من مشاركة معقولة في المجتمع من خلال خروجها للعلم والعمل، وانصهارها في مجالات متعددة تعمل من خلالها على بناء قدراتها أولاً، ومن ثمّ على بناء المجتمع بناءً قائماً على المساواة والتشاركية بآن معاً.
صحيح أنه مازالت هناك العديد من المسائل الشائكة والعالقة بخصوص قضايا المرأة إن كان في قانون الأحوال الشخصية، أو في بعض مواد قانون العقوبات التمييزية ضد المرأة، أو قانون الجنسية الذي لا يسمح للمرأة السورية بمنح جنسيتها لأبنائها، رغم أن رئاسة الوزراء شكلت لجنة لدراسة هذا الموضوع وتعديل القانون بما يسمح للمرأة بذلك الحق، ولكننا لم نرّ حتى اليوم مؤشراً على تفعيل تلك اللجنة أو ما توصلت إليه من دراسة بهذا الصدد.
كذلك من المسائل التي مازالت عالقة وتؤثّر تأثيراً فعّالاً على وضع المرأة في القوانين والمجتمع هو التحفّظ على بعض مواد اتفاقية السيداو الذي أفرغها من مضمونها القائم على رفع العنف والتمييز عن المرأة، أو في اتفاقية حقوق الإنسان وغيرها من المواثيق والمعاهدات الدولية التي تعمل على إرساء قواعد المساواة بين المرأة والرجل في المجتمع وعبر الدستور والقوانين الناظمة.
رغم كل هذا تتميّز المرأة السورية بالجرأة والعنفوان الذي يؤهلها لجميع مهامها المنوطة بها، عبر تشاركية حقيقية مع الرجل في مجال العمل، أو الدراسة، أو غيرهما من مجالات الحياة المختلفة. إلاّ أن ما بدأنا نلحظه في الأعوام القليلة الماضية، هو بروز ظاهرة فصل النساء في بعض الأماكن العامة عن الرجال، واعتبارها بادرة نوعية متميّزة، مثل افتتاح مركز تسوّق تجاري في حلب العام الماضي خاص بالنساء، وكذلك افتتاح مكتب تاكسي في دمشق خاص بالنساء، واليوم يُطالعنا مصرف البركة بافتتاح قسم خاص بالنساء وسيدات الأعمال (مصرف سوري يفتتح قسماً خاصاً بالنساء)، (النور، العدد 516).
ولا يمكن أن نستغرب بعد حين أن يكون هناك في حافلات النقل العام قسم خاص بالنساء على شاكلة القسم الخاص بالسود أيام التمييز العنصري في الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا.
واليوم يُطالعنا الاتحاد النسائي العام بطلب إحداث وزارة خاصة بالمرأة، حسبما جاء في البيان الذي صدر في نهاية اجتماع مجلسه العام في مطلع هذا الشهر، وزارة خاصة تعنى بشؤون المرأة وتشرف على عمل الجهات المعنية بقضاياها، وإحداث قناة فضائية خاصة تعنى بقضايا المرأة والأسرة .
وكأن هذه الوزارة المطلوبة ستنتشل الزير من البير، وتُنهي معاناة المرأة التمييزَ الواقع عليها في القوانين والمجتمع، أو أن تلك القناة التلفزيونية لن تتحول إلى قناة لاستعراض يوميات المرأة من المطبخ إلى صالونات الحلاقة والأزياء والتجميل، كما هو الحال في جميع القنوات الفضائية التي تبث باسم المرأة.
إن هذا الوضع مؤشر خطير على وضع المرأة في المجتمع، ولا يتوافق مع المادة 25 من الدستور، التي تنص في فقرتيها الثالثة والرابعة على
3ـ المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
4ـ تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
هذا ما يجب تعزيزه وتأكيده في الدستور الجديد، لأنه في ظل دولة علمانية مدنية دستورها قائم على مبدأ المساواة بين المواطنين، لا يكون هناك مجال للتمييز على أيّ أساس، وتكون المرأة حينذاك مواطناً كامل الحقوق والواجبات، وليست جزءاً مختلفاً عن المجتمع نطالب لها بوضع مغاير للمواطنة المفترض أن تكون سائدة.
كما يجب الإبقاء على المادة 45 من الدستور، بل وتعزيزها في إطار من الدعم الحقيقي لمواطنية المرأة السورية، المساوية لمواطنية الرجل في القانون وأمام القانون. إذ تنص هذه المادة على تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي.
فإذا ما عززنا بناء دولة مدنية علمانية ديمقراطية، فإن ذلك سيفسح المجال رحباً أمام جميع المواطنين (رجالاً ونساءً) بالتساوي لبناء مجتمع يتسم بالحرية والمساواة القائمة على رفض التمييز على أي أساس آخر. حينذاك لا يمكن أن نكون بحاجة إلى وزارة تُعنى بقضايا المرأة وتمييزها على أساس جندري في المجتمع، لأنها ستكون مواطناً كامل الحقوق والواجبات بغض النظر عن الجنس.
وبعد، أمعقول أن نصل إلى هذا المستوى من الوضع المزري بعد سنين من العمل في قضايا المرأة، والمطالبات الحثيثة بتعديل القوانين التمييزية ضدها..؟
هل من المعقول أن تذهب عبثاً تلك الجهود المبذولة والأموال المصروفة على المستوى الرسمي والمدني والشعبي..؟ هل من المعقول أن تذهب جهود المنظمات النسائية والأحزاب السياسية سُدىً، وبغفلة من المعنيين بهذا الشأن، فتُحتجز المرأة في جناح خاص لها أينما اتجهت، وكأننا نعود القهقرى إلى أيام الحرملك في ظل الولاية العثمانية وقوانين قدري باشا.