لم نشهد مثل هذه الأمطار منذ عقود ولا مثل هذه الثلوج ... قالها أبي لينطلق شرودي عابرا أفكارا بعضها
أن النيران التي نُفخت في وطني لا يطفئها إلا المطر والثلج الأبيض والبرق والرعد ...
إنه شباط وكما قال جارنا العجوز (ما عليه رباط ) يهيئ الأرض والسماء والنفوس للعرس القادم في آذار..
وخلف النوافذ الصغيرة التي ملأت العالم ضجيجاً ومنذ ما يقارب العام ملأت وطني ناراً وناراً ونار ، يشتعل العالم وتسقط هبة الله لأحسن خلقه الإنسانية عن كثيرين ممن يغتالون عقول أخوتهم البشر ويدنسون أرواحهم ونفوسهم بما ينافي طهارة الحب والإخاء ..
وأمام هذه النوافذ التلفازية يكثر الكلام وتعلو الأصوات مع النظام وضد النظام البعض فهم التاريخ حسب قوله ولعبة الدول الكبرى تلعب بوطننا والصراع بين أمريكا وروسيا القطب العالمي الجديد المتمترس خلف سور الصين العظيم تدور رحاه على أرض سوريا التي كبر جرحها لتنزف أكثر فأكثر ..ويستمر الحديث :
لكنها مهد الحضارة وهي برزخ العالم الجديد وينتظرها مستقبل عظيم مزهر سياسيا واقتصادياً لكن بعد الشفاء..ويستمر الحديث ..
كل هذا الكلام أظنه لم يعد ضروريا لأم باسل أن تدير سمعها له ولا أظنها عادت قادرة على ذلك ، هي فخورة
بابنها باسل الذي فقد أباه طفلاً و كان أصغر أخوته جنينا واستقبل شبابها ربيع عمر من الكد والتعب وصبرا قهر
قساوة الحياة بإيمان وطهر جعلها في عيون الوطن الذي أحب ربيع شباها وافتخر به وكره ما جُلب له من ربيع
سموه عربيا..
كبر باسل والتحق بصفوف حماة الديار وأصبح للحياة طعم جديد في كبرياء أم باسل ، أصبح ضابطاً لم يستطع
إلا أن يكون خلوقاً مخلصاً ووفياً .. إلى أن أذنت النوافذ النارية بقدوم الربيع العربي الذي لم تكن أم باسل تعرف
أنّه سارق .. نعم سارق سرق ولدها باسل وفي حمص التي أمنتها على ولدها لكن ...
احضروه لها عريساً هكذا قالوا لها وبين يديهم النسر الذي كان يضعه على كتفه كضابط رائد في صفوف الجيش العربي السوري قالوا لها لك أن تفتخري به شهيداً بطلا وتفرحي به عريساً وهي التي منذ وقتٍ ليس بالبعيد فرحت بعرس زواجه وفرحت بزوجته التي حملت منه وانتظرت بفرح وشوق ولادة حفيدها ، لكنها لم تكن تعلم أن يوم ولادة حفيدها سيوافق يوم دفن والده ..
نعم ولد باسل الصغير في ذات اليوم الذي غيّب تراب بلدته حمام القراحلة جسد والده باسل البطل ومنذ هذا اليوم أصبح باسل الصغير ابن الشهيد باسل وجدته أم الشهيد باسل ..
وتظلّ نوافذ النيران تقتل الحقائق وترفع مكانها أساطيراً أصبحت تنسجم مع عقولٍ مسّتها النار ....