في أعماق الزمن ومنذ حوالي 16840800 دقيقة مر بي طيف ملائكي ، حملني و حلّق بي إلى عالم سحري ترى فيه من غير نور، ليس له بداية ولا نهاية .لم أكن لأتصور وجودي به، وتركني هناك وحيدا أو شبه ذلك .
كان الوطن يومها يغلي، و يزداد غلاء في قلوبنا وعقولنا. حملني ذاك الطيف عاليا و بعيدا عن وطني ... ثم ردني ولكنه امتزج بوطني حتى أنني فقدت القدرة على التمييز بينهما . فأضحت جنة الطيف ووطني يسكنان حنايا قلبي و خفايا نفسي.
تهت في تلك الجنة و هذا الوطن، فجمعت أشيائي الصغيرة ووضعتها بصرة على كتفي وسرت في رحلة طويلةٍ طويلة استكشف تلك الجنان في وطني و نفسي. سرت وحيدا على غير هدى أستعين بخارطة محفوظة في قلبي ... هي وطني ...
استعنت بدليلي المحفوظ في قلبي لأسير على غير هدى في جنتي الداخلية .. صعدت تلال و هبطت وهادا .. تعثرت ونهضت مرارا، وكنت كلما وقعت ألجأ إلى صدر وطني الدافئ ... وطني المزروع في قلبي والذي تتغلغل جذوره في شراييني و أوردتي ... عنده أسترد اطمئناني . مشيت في جنة وطني أبحث عن نهاية لتلك الجنة فدخلت متاهات لانهائية أطارد مخرجا من جنتي فلم أنله أبدا ، فكانت جنتي .. وطني.. ملئ عيوني و روحي و قلبي.
اليوم وطني لا يغلي فقط ... وطني يحرق نفسه .. ينتحر ويحرق قلبي حيث يقبع بناره . وجاء ذاك الطيف ليهتف بي لقد امتزجت بالوطن في جنتك الداخلية منذ عشرات ملايين الدقائق ولن تحترق جنتك وستبقى خضراء خارجة عن قوانين الاهمال و النسيان، فلانهاية مكانية أوزمانية لها ، هي خارج امكان البشر عن الحرق و الاغراق أو حتى عن الابحار بعيدا عنها ...
لا تحاولوا أن تحرقوا وطني فلن تقدروا ... أنه محفوظ في ثنايا قلبي و خفايا نفسي ولن يطاله الاهمال..