حزيناً أتى الياسمين . . . يشكي همه لبردى . . . ما ذرف دمعة ولا بكى . . . ذبلت أوراقه واكتفى . . . بأن قال يا بردى . . . يا بردى
نظرتُ في وجوه بعض من أعطاهم الوطن . . . من مديرٍ و محافظٍ و وزير. . . من يدّعون أنهم يسهرون على أمنه وأمانه . . . من أسلمهم رزق وقوة أبنائه . . . فوجدتهم . . . يأخذون ولا يعطون. . . ينهبون ولا يشبعون . . . يتجبرون ولا ينتهون . . . يسكنون في القصور . . . ويغرقون في القشور . . .
ونظرت في وجوه من أعطوا الوطن . . . من محرومٍ ومعدمٍ وفقير . . . من يسهرون حقاً على أمنه وأمانه . . . من يضحون بالروح لعزته وشموخه وبقائه . . . فوجدتهم . . . يعطون ولا يأخذون . . . لا يسرقون ولا يأكلون . . . ينتهون ولا يتجبرون . . . يزودون عن القصور . . . ويحلمون بالقبور . . .
وجاءت الأزمة . . . قلّت النعمة . . . وعمّت الظلمة
وكشّر الحاقدون الآخذون عن أنيابهم . . . وتعهّد الباذلون ببذل دمائهم
ولاحت بشائر النصر . . . فخلت أن الوطن سينصف الباذلين ويعطيهم . . . فإن لم يقتص من الناهبين ويعريهم . . . فعلى الأقل يخسرون مالاً . . . يذرفون دمعاً . . . ينزفون دماً
وما إن انتهى الياسمين . . . حتى أغرق بردى . . . أراد أن يبكي . . . أن يشتكي . . . لكنّ قاسيون . . . زمجر وأرعد . . . صرخ بشموخه . . . ما بالك يا بردى . . . أترضى . . . أن يعكر نقاؤك دمع آسن . . . أن تسقى حوافك دمٌ فاسد . . . كيف للياسمين. . . أن يبقى ياسميناً . . . أن يبقى دمشقياً . . . إن لم يرفض أن يُسقى من دمع يفيض أنانية ويبكي على الذات لا على الوطن . . . كيف لي أن أبقى شامخاً والدماء التي ترويني يشوبها الخسة أو الضعة أو النذالة . . . إن الله إذ يحميني . . . ويحميك . . . ويحمي الياسمين . . . فباختيار الشهداء . . . وباختيار الدماء . . . وباختيار البكاء . . .
فانتبه بردى مفتخراً . . . وتبسم الياسمين منتصراً . . . وقالت قطرة دمع لقطرة دمٍ . . . هنيئاً لنا قد أنصفنا الوطن