مصطلح جديد وقديم بآن واحد..قديم تعايش معنا منذ بدأت أطماع العالم بمنطقتنا ..حديث لأنه اكتسب صفة العصر بمفهومه الخاص ..لأجنة ولدت من رحم واحد .. كالعولمة والليبرالية والنظام العالمي الجديد..كلمات مختلفة التراكيب موحدة المعاني والهدف ..

انه لمن عادة التاريخ أن يقوم المنتصر بإعادة ترتيب الجغرافيا ..عادة درج عليها العالم منذ معاهدة فرساي عقب إنهاء الحرب العالمية الأولى .. وتقسيم أوروبا والعالم عقب الحرب العالمية الثانية..إن الطمع الأمريكي يستمر في وقاحته.. ساعيا لتغيير الجغرافيا العالميه وتحديدا في منطقتنا  منطقة الشرق الأوسط ..متوافقا مع منطق تاريخي عمل من أجله وآمن به ..كبر الطموح حتى أصبح هاجسا لهم.. فها هم قادة أمريكا وعلى مختلف تسمياتهم ومناهلهم السياسية.. يصرون على تحويل أمريكا إلى دولة عدائية لشعوب الشرق الأوسط ودول العالم الثالث.. تحصل على ما تريد من العالم بالقوة وليس بالطلب .. مما يدل أن الفلسفة الأمريكية الحديثة.. تمكنت من صياغة قانونا ودستورا دوليا جديدا.. ينال موافقة المنظمة الدولية على أغلب قراراته ببساطة مطلقه ..من خلال سيطرة مطلقة على جميع مؤسساتها..حيث باتت الرغبة الأمريكية واضحة في العمل ..على إلغاء أية قوة إقليمية في العالم ..

 فقد عملت المخابرات الأمريكية على انتشار العمليات المخابراتيه القذرة.. يدفعهم إلى ذلك عجزهم عن التورط العسكري الزائد في منطقتنا .. فقد كان لحرب العراق التأثير الكبير على قرارات البنتاغون وإعادة حساباتها من جديد..فالفوضى السياسية العامة التي تم تكوينها في العالم.. نتيجة سياسة همجية لقطب واحد.. حاملة معها فوضى المصطلحات والتعابير الصادرة عن البيت الأبيض.. مصاغة بعناية فائقة في غرفة العناية المشددة ..لدى إدارة المخابرات الأمريكية.. و إن هذه الفوضى باتت لا تنتهي بانتهاء الحروب.. التي تترك وراءها دولا جريحة نازفة ممزقة.. تعمل على استعادة توازنها ضمن عالم جديد.. بات مفروضا عليها بواقعه الأليم ..في عالم من الفوضى الخلاقة المدمرة لإرادة الشعوب الحرة..

لقد تم الإعلان عن مشروع الشرق الأوسط الكبير.. في السادس من تشرين الثاني عام 2003 من قبل الرئيس جورج بوش ..خلال حديثه عن الهيئة الوطنية للديمقراطية.. المعروفة اختصارا بكلمة(نيد).. تبنت من خلالها واشنطن هذا المشروع ..الذي يعين في معالمه حدود هذه المنطقة ..التي تعتبر المجال الرئيسي لهذا المصطلح.. والتي تشمل المنطقة الممتدة من الصحراء الغربية إلى البيلينس بباكستان مرورا بالدول العربية في آسيا .. وتم طرحها بشكل متكامل في قمة مجموعة الثماني في شهر حزيران عام 2004..رغم ما لهذه المبادرة من أهداف معلنه عن الحرية والديمقراطية والإنعاش الاقتصادي ..

إلا أنه من حقنا أن نتساءل عن مصداقية المعلن.. والهدف الحقيقي لهذه المبادرة الأمريكية الأصل والمنشأ.. حتما ليست الديمقراطية وحرية الشعوب وإنعاشها هدف أمريكا من وراءها.. قراءة بسيطة لتاريخها نرى بوضوح أنها هي من عملت جاهدة على قتل روح الحرية والديمقراطية لدى أغلب شعوب العالم .. قديما وحديثا .. إذا دققنا في التاريخ .. وبحثنا بشكل دقيق .. وتساءلنا متى ظهر هذا المفهوم .. لوجدنا أنه يعود في جذوره ونشأته إلى بداية القرن العشرين عام 1902 .. إلى الجنرال الأمريكي الفرد ما هان ..الذي قام بتنبيه الحكومة البريطانية حينذاك.. موضحا لها أهمية منطقة الخليج العربي ..التي أطلق عليها الشرق الأوسط للإمبراطورية البريطانية ومصالحها في الهند ..تم تطوير هذا المفهوم حتى وصل إلى تأسيس قيادة الشرق الأوسط ..في القيادة العسكرية للحلفاء في الحرب العالميه الثانيه .. وبعد عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.. طرح شمعون بيرز رئيس حزب العمل حينذاك .. مفهوم الشرق الأوسط الجديد في كتابه نظام الشرق الأوسط ..

وكما تدل الدراسات أن هذا المفهوم ظهر في التقرير الاستراتيجي السنوي لعام 1995.. الصادر عن مركز معهد الدراسات الأستراتيجيه القومية.. التابع لوزارة الدفاع الأمريكية ..حيث تم تحديد جديد للمنطقة التي يشملها ..فأصبحت من المغرب العربي حتى الحدود الصينية.. ليشمل المغرب العربي وآسيا العربية وآسيا الوسطى الأسلاميه وجنوب آسيا ..وفي عام 1999 تم نقل أمر القيادة العليا للقوات الأمريكية في آسيا الوسطى.. إلى القيادة المركزية للشرق الأوسط المعروفة بقوات الانتشار السريع ..ومع إعلان بوش الأبن مبادرته للشرق الأوسط الكبير.. جرى تحولا كبيرا في طرح هذا المفهوم .. خاصة منذ انعقاد مؤتمر قمة الثماني والمشاركه الأوربية ( الولايات المتحدة الأمريكيه وبريطانيا وفرنسا والمانيا وكندا وايطاليا واليابان وروسيا بمشاركة عدد من الدول العربية والإسلامية )..

صدرت وثائق هذه القمة متضمنة العمل على الشراكة من أجل التقدم.. ومستقبل مشترك في منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا.. وظهرت خطة مجموعة الثماني المتمثله بتوزيع الأدوار ومناطق النفوذ واقتسام العالم.. وهذا ما يظهر لنا أن مبادرة الإصلاح والشراكة المطروحة.. من قبل دول الثماني تشكل شبكة إقليمية.. للتغلغل في مختلف المجالات الأجتماعيه والأقتصاديه والسياسيه في المنطقة العربية .. وبدا أن هذا المشروع ذو بنية بيروقراطية تثير الغرابة .. يبدو أن الطموح الأمريكي في نشر الديموقراطيه المزعومة والتأسيس للشرق الأوسط الكبير.. مرتبطا بصورة عضوية متفاعلة في تفجير التناقضات الداخلية في البلدان المستهدفة.. وذلك من دون خجل فقد قامت المخابرات الأمريكية ..بتنفيذ عمليات غير نظيفة قذره تستهدف أمن مختلف الدول للشرق الأوسط الكبير .. تارة بممارسة الحرب من خلال القوى العسكرية.. وأخرى ناعمة الملمس .. شديدة الحروق والأذية من خلال دائرة مخابراتها .. صاحبة شبكة الأخطبوط الخبيرة بقيام الحروب الأقتصاديه والضغوط الدولية..إن جميع المشاريع الأمريكية تمتاز على الأغلب بالطابع البراغماتي ..الذي يبعدها عن المنهج الأيديولوجي ..

وبهذا تكون دائما في حالة من التبدل المستمر الذي يحقق لها مصالحها .. وتجعل من دلالات المصطلح الأمريكي.. دلالات متغيره بحسب الظروف والمواقف..وهذا مانراه بوضوح في منطقتنا تحت رداء الربيع العربي ..عباءة ممزقة ظهرت من خلالها الفوضى الخلاقة ..العاملة على تدمير كل ماهو حي على الأرض العربية ..والآن تعاني هذه الفوضى وهذا المخطط الشرق أوسطي.. من مواقف متجددة متبدلة.. لدول نمت وتنامى لديها.. الشعور الوطني والإحساس بضرورة التواجد على الساحة الدولية.. كطرف مقابل بقوة للسياسة المنهجية لأمريكا وحلفاءها ..للعمل على التصدي لمنع تنفيذ هذا المخطط الجهنمي.. من خلال مواقف صلبة  تعدت الكلام.. وانتقلت لمراحل التعاون مع الشعوب.. المستهدفة للوقوف بوجه هذا التيار المدمر ..وهذا ماظهر واضحا في الموقف الروسي والصيني والإيراني ودول البر يكس في الأزمة السورية ..مواقف قوية منعت الدول الكبيرة بحلفها الناتو.. من تكرير تجربة ليبيا التي يعتبرها هؤلاء ..خطيئة كبرى بحقهم يجب أن لايكررها التاريخ ..فكانت مواقفهم عاجزة عن التنفيذ العسكري.. لذلك استعانوا بأمعاتهم من دول الخليج وتنظيمات القاعدة ..لتنفيذ مخطط القتل والتدمير لبنية الدولة السورية ..

بعد هذه الدراسة البسيطه يمكننا القول إن مبادرة الشرق الأوسط الكبير إنما ولدت ميتة.. لأنها جاءت على أنقاض فشل استراتيجية استعمال القوه الأمريكيه .. فلجأت إلى عملية غسل العقول بديمقراطية مزيفة.. لأجل تحقيق أهدافها في المنطقة .. متناسية عن جهل أو قصد ..أن المشكلة الأساسية لديها.. باتت تتمثل في أنه لا يوجد أحد في المنطقة العربية والعالم ..يصدق أي مبادرة أمريكية غربية إلا من كانت قراراتهم في أدراج المخابرات الأمريكية .. وبات الطرح الأمريكي مكشوف النوايا والهدف ..ولا يخفى على أحد ..أن انتقال الفوضى الخلاقة لديهم من بلد لآخر إنما هدفه تدمير الحجر والبشر..والقضاء على الحضارة البشرية..

حالة مرضية وهوس جنوني يعاني منه القادة الأمريكيين ومن ينتمي لهم ..بحلم كبير يراودهم بالسيطرة على العالم والقرار العالمي ومنظومة  المقاومة الممتدة بمحور يقلق الجميع..لقد تم قتل المفهوم البناء لكلمات أساسية مثل الحوار والتفاوض ..والترجمة السياسية للنضال الشعبي والانتقال السلمي للديمقراطية..فلم نعد سياسيين يفاوضون حتى يضطرهم الأمر للحديث في السلاح ..ولا مسلحين يحاربون حتى يضطرون للتفاوض..تسليح كبير يتم من دول وإمارات لاتملك من القرار لنفسها بشيء.. العبودية والتابعية عنوان حياتها..وقبول وقف إطلاق النار يحتاج لقرار السيد الأمريكي ..أي فوضى خلاقة لدينا ..غدت أهم عناوينها غياب القرار للمعارض الوطني ولقادة الحراك الشعبي..