يصادف هذا الشهر انتهاء السنة الثانية من الازمة السورية التي عصفت بكل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأصابت مفاصل الحياة من أكبر قضايا الدولة من الميزانية العامة والعجر الحاصل بالاقتصاد السوري والامن الوطني حتى أصغر هموم المواطن العادي من تأمين بضع ليترات وقود من مادة المازوت أو البنزين أو بعض أرغفة الخبز اليومية.
ولعل أكثر المواضيع المطروقة في الشارع السوري في هذه السنتين هو تفاصيل الازمة أسبابها وتداعياتها والحلول المطروقة او المبتكرة بين المواطنين ولم يقتصر طرح الحلول على المواطن في الشارع السوري بل ساهم العديد من أصحاب المصالح العالمية والوطنية قامت بطرح المبادرات لحل الازمة منها المعتدل الذي يدعو للحوار ومنها المتطرف الذي يدعو لبتر أحد أطراف النزاع من جذوره.
بقيت الأصوات التي تنادي بالحل السلمي والحوار منخفضة أمام دوي الرصاص والقنابل حتى انها اختفت مع الوقت وتلاشت أو لنقل لم يعد لها آذان صاغية وارتفعت وتيرة المطالبات بالبتر والقطع والتسليح ولا اعلم ما هي النتيجة المرجوة من رفع وتيرة العنف او المطالبة بها فالعنف لا يولد الا عنفا مضادا والداعي الى العنف كحل للازمة هو اما جاهل لا يعلم مصلحته او مصلحة الوطن إما يستفيد من الفوضى بشكل او بأخر.
حتى دعوات الحوار السلمية المقترحة المفروض انها ستصل بالوطن الى بر الأمان بأقل الخسائر لم تبصر الضوء لأنها لم ترتكز على أسس واقعية او مقبولة من الطرفين حيث أن كلاهما يعتقد أنه يمتلك القوة على الأرض تسمح له برفض الحل الغير المناسب له ومد النزاع حتى وصلنا الى معركة تكسير عظام بين الطرفين كلاهما يحاول تكبيد الطرف الثاني أكبر قدر من الخسائر واتهامه بأكبر عدد من المجازر حتى يبقى منتصرا ولا أعلم ما الفائدة من الانتصار في معركة اذا كانت الخسائر أكبر بمرات عديدة من أي ربح ممكن فالخسائر المادية للوطن تعادل عشرات اضعاف الميزانية العامة للدولة والخسائر العمرانية تقدر بمليارات الدولارات ووالاهم الخسائر الاجتماعية والإنسانية التي لا تقدر بثمن من أرواح السوريين.
ولكي نستطيع البحث عن الحلول يجب علينا البحث عن الأسباب التي دفعت بأول المظاهرات الى العلن علما أنها في بلدنا من أشد المحظورات فكانت بخروجها وعدم تلبية نداءاتها حصان طروادة التي دخل بها فكر وسلاح ومرتزقة اجنبية فمهما كانت أسباب هذه المظاهرات سواء داخلية من حريات سياسية كاختفاء الأحزاب الفعالة التي تقوم على نشر عقيدة فكرية واعية بين أبناء الوطن او معيشية كالدخل وانتشار الفقر والرشوة كالهشيم في النار او تطبيق لأجندة خارجية لمؤامرة كونية اشترك بها معظم دول العالم وقامت الدولة بعلاجها كانت قد اختصرت على نفسها عناء الخوض بمعارك طاحنة مع المعارضة ولا نستطيع لوم المظاهرات الأولى على هذه النتائج فحق كل مواطن التعبير عن مطالبه بأسلوب حضاري فكانت الدولة برد فعلها مع المظاهرات كالطبيب الذي يصف حبوب مسكنة لمريض السرطان وقامت بتشريع التدخل الأجنبي بشكل غير مباشر والأهم سمحت للشعب السوري بأن يكون البيئة الحاضنة لمرتزقة العالم والبيئة الحاضنة للفكر المتطرف الجهادي.
البحث عن الحلول في البداية مختلف عن البحث عن حلول بعد عامين من المعارك بعد ان دمرت المدن السورية ونزح الملايين من السوريين داخليا وخارجيا فالحلول بداية كانت ببعض الاتفاقات الخارجية والداخلية التي تضمن حياة أفضل لبعض السوريين وعلاقات جيدة مع دول الجوار وخاصة الدول العربية كالخليج العربي الذي ساهم إعلاميا وماديا بالشكل الأكبر بدعم المعارضة المسلحة للظهور وليس الدخول في حروب مع دول العالم ومرتزقة العالم على أراضي الوطن وتدمير كل البنية التحتية.
على الصعيد السياسي نحتاج لعلاقات طيبة مع الدول العالمية التي صوتت ضد الحكومة السورية في كل مؤتمرات العالم الفاعلة وغير الفاعلة وخاصة الدولة المجاورة التي مررت كل أنواع الأسلحة الى الأراضي السورية والدول الممولة للمرتزقة والجيش الحر والمعارضة وهي نفسها قادرة على ضبط حدودها ومنع تمرير الأسلحة ووقف التمويل يعني وقف المعارك اليومية التي نخسر بها يوميا ملايين الدولار وجعلت من سوريا البلد الأقل أمانا عالميا كما سببت بنزوح ملايين السوريين من مساكنهم.
على الصعيد الاجتماعي نحتاج الى أحزاب فاعلة ومدارس فكرية تقوم بصقل الفكر البناء والوعي بين المواطنين ولا يكون الموطن لعبة الاشاعات والوسيلة التي يمرر بها أعداء الوطن أجنداتهم فالمواطن الجاهل يهدد الأمن القومي للوطن فكيف ان كان الجهل منتشرا.على الصعيد العسكري فان وقف العمليات العسكرية بشكل فوري بكل أنواعها وضبط النفس تجاه كل عمليات الاستفزاز ضرورية للقيام بمرحلة انتقالية من حالة العسكرة الى حالة الجلوس على الطاولة والتنازل من الطرفين للوصول لأقرب نقطة مشتركة من الحل الا وهي الحفاظ على ما تبقى من الوطن ومقدراته فهنا الغاية تبرر الوسيلة والغاية الأسمى هي الوصول بالوطن الى بر الأمان ليس القضاء على أعداء الوطن.
على الصعيد المادي فان رفع مستوى الرفاه المعيشي قادر على تجنيب العديد من الافراد من بيع ضمائرهم حتى لو كانت البيئة الاجتماعية والسياسية قمعية كما يحدث في الدول العربية ذات الأنظمة الملكية عديمة الحريات السياسية والاجتماعية.أخيرا لا أرى الوطن الا غارقا في مستنقع رمال متحركة وكل حركة يقوم بها تدفعه الى الغرق أكثر فأكثر فأصبحت حركاته محسوبة فإما ان يستثمرها لخروجه أو يغرق الى الأبد.