إنّ مما يحزّ النفس ويتعبها ويشقّ عليها ، ما نراه اليوم من انتشار الطلاق في الأسر المسلمة خصوصاً الناشئة منها ، نراها تُضرب بهذا الزلزال العظيم وبعضها لم يجرِ على بدئها أكثر من عام واحد ، والسؤال لماذا ؟
لست هنا لأبحث في أسباب الطلاق ولا نتائجه ، ولكن للوقوف على سبب خطير لعل بعضهم أو ربما معظمهم لا يلتفت إليه ، بل ويروونه أحياناً على سبيل النكتة أو الفكاهة مع أنه – في الحقيقة – واقع ! إنه الزواج ..
بلى .. الزواج هو السبب الأول والمباشر للطلاق ، سيضحك بعضكم ليقول ، وما الجديد في ذلك ؟ وهل ينفصل غير المتزوجين ؟
بالتأكيد لا ، ولكن سوء إتمام الزواج هو السبب حتماً ، سوء الاختيار والتقدير والتفكير ، الطلبات الكثيرة والشروط الثقيلة التي يضعها كل من الشاب والفتاة على الآخر ، والاهتمام بالقشور والنظرة المادية للأمور ... وغيرها كثير ..
و أيضاً لست هنا لأتكلم عن كل تلك الأسباب والشروط ، إنما لأقف على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نسيه البعض أو ربما تناسوه لأنه يخالف أهواءهم ويعارض مزاجاتهم ..!
" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض "
وإنه لمن أشد العجب أن يدعي رجل التقوى والصلاح والسير على مراد الله في كل أموره ثم إذا خطب إليه شاب يرضى دينه وخلقه ، ولكنه لا يرضى فيه أمر آخر ، رفضه و أقصاه حتى لو أرادته البنت أو قبلت به
تراه لم ير حديث رسول الله هذا ؟ لم يفكر فيه ؟ لم يدرك صيغة الأمر في " زوجوه " و " إلا تفعلوا " ..؟
إن مما دفعني إلى كتابة هذا المقال منظر رجل يهترئ قلبه حزناً على ابنته التي رفض تزويجها من شاب تحبه ويحبها ، وكليهما على قدر من الأخلاق الرفيعة والتهذيب ، حتى أنهما أردا لنفسيهما بداية مباركة يرضاها الله ورسوله ، فطرق الشاب باب بيت الفتاة يطلبها كما ينبغي أن يفعل ..
لم يكن فقيراً معدماً ، ولا جاهلاً مغفلاً ، ولا شارداً بلا أهل ونسب ، متعلم في طريقه إلى شهادة جيدة ، له عمله ودخله ، وبجانبه أبوه يباركه .. والبنت اختارته دون سواه و رضيت به لنفسها
ففيم الرفض ؟؟ وبأي حق ؟
كان الأب يضع حججاً واهية لا يقبلها منطق العقل القويم ويرفضها منهج الدين السليم .. حتى أنه لم يتمكن من إقناع ابنته بسبب رفضه ، و لكن أذعنت الفتاة لرغبة أبيها ، وخرج الشاب يجر أثواب الخيبة ، وتزوجت بعد حين شاباً آخرَ رضيه أبوها ، ولم يمض عام إلا وعادت إليه مطلقة ذليلة يكاد ينفطر قلبها من البكاء ..
أما الشاب فتزوج بأخرى و وصل إلى مسمعهم أن عائلته في قمة الاستقرار و زوجته غاية في السعادة والهناء لحسن خلقه ، و رجاحة عقله ، و استقامة سلوكه ، وخوفه من ربه .
جلس الوالد حزيناً خائباً تدمع عيناه و ترتجف يداه ، حزناً وندماً و ربما .. خجلاً .. يقول بغُصّة :
" ظلمت ابنتي " ..!!! آالآن ..؟
ألم تقرأ " إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " ؟
ألم يكفك تعبير " الفتنة والفساد " ؟ أم أنكم تهيئون الدين وفق أهوائكم ؟ تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ..!
إنها والله لفتنة أشد من القتل وفساد أعرض من البغي والظلم ، فالأسرة المسلمة قوام هذه الأمة التائهة وحجر أساسها وعمود ارتكازها ، فإن عبثتم فيها عبثتم في المجتمع كله ، وإن قومتموها قومتم أمة بأكملها .. فما بالكم تهدمون بأيديكم ما أراد الله إعماره ، وأمر رسولُه بتقديسه وإجلاله ..؟!
أيها الآباء .. إنكم لميتون و محشورون ثم إنكم والله من بعد ذلك لمسؤولون فإذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ...
إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض