شجرة هو الوطن . . . وما نحن إلّا عابرون . . . كأوراق متساقطة . . . بعضها يذبل ويسقط مصفرّاً في هوة الأنا و بعضها في حفرة المصالح و بعضها في مستنقع الطائفية ووحدها ورقة من تنتصر وطنيته على كل أشكال التقوقع والإغراءات والتعصب تبقى دائمة الخضرة على الشجرة الأرقى إلى أن يحين الآجل
ويبقى الوطن . . . شجرة جذورها في الأرض وأغصانها تطال السماء ونبقى نحن البشر أوراقاً خضراء أو خضراء مصفرة أو صفراء . . .
منها من يستساغ طعمه ومنها من يقتل سمه حتى الحنش الأسود
بعضها يسقط قبل أن يكتمل نموه وبعضها يرقى إلى أعلى القمم
منها من يختاره العصفور ليبني عشّه ومنها من يأنفه حتى الضبع الأجرب
بعضها كالنجوم بسحره وبعضها ببشاعة وحشٍ أحدب
بعضها يختزن دفء الشمس وبعضها من برد الثلج أبرد
بعضها يشفي وبعضها يجرح
بعضها يأكله المن وبعضها يأكله العفن
بعضها يحترق ليدفئ وبعضها لا يعطي دفئاً وإن احترق
أما أسخف تلك الورقات فتلك الساقطة التي تظن أنها هي من تعطي للشجرة جمالها وبريقها ولولاها لذبلت الشجرة وانتهت متناسية أنها كانت وستبقى أبداً ورقة ضعيفة لا تتغذى ولا تشرب إلّا مما أوصلته لها أغصان الشجرة من نسغ وماء
وأما أحقرها فتلك التي تتسلق على أخوتها لتظهر أنها هي الأجمل والأسمى
وأما أقذرها فتلك التي تسرق غذاء أخواتها حارمة إياها من متطلبات الحياة والبقاء
الوطن شجرة ونحن على اختلاف أرائنا وميولنا ورغباتنا وطموحاتنا وأمنياتنا أوراق مختلفة. . . منّا الواعي المدرك لما يحاك للشجرة ومنّا المغيب عقلياً وفكرياً ليبقى ولائه لمن يؤمن له ماءه وغذاءه غير أبهٍ بما يحصل شرب من شرب وعطش من عطش
ويمر على الشجرة حرائق وكوارث وأزمات ومنٌّ وجراد ويأتي الخريف ليطهر الشجرة من بعض أو كلّ أوراقها لتستعيد نشاطها و تألقها وتجددها في ربيع حقيقي أخضر ولتحل لعنتها :
على كل ورقة مبهرجة تدعي حرصها على سلامة الشجرة لتخفي خلفها أوراقاً فاسدة تقوم بنشر الأمراض والعفن
على كل ورقة لا همّ لها إلا امتصاص قوت أخواتها
على كل ورقة لا ترى في الشجرة التي أنجبتها ورعتها وقوتها إلّا أداة لتحقيق مجدها الشخصي
دمتم أوراق مخضرة إلى أن يحين الأجل . . . وعاش الوطن دائم الخضرة أبداً