من منا لا يخطئ قولاً و/أو فعلاً؟ ومن منا لا يتحسس من انتقاد الآخرين له جهراً أو سراً؟ و السؤال المهم هو : كيف ندرك أننا مخطئون؟
بشكل عام، يكون اكتشاف أخطاء الآخرين أسهل علينا من اكتشاف أخطائنا. وإذا حاولنا أن نفهم هذا المفهوم الذي اسمه "الخط"، فنستطيع القول أنه يحمل أوجه كثيرة منها :
- إدراكنا أن عملاً ما هو خارج المألوف، وهذا أمر نسبي عند البشر.
- إدراكنا أن هناك أعمالاً تؤدي إلى أذى الآخرين، وهذا أيضاً مفهوم نسبي.
- قيامنا بأعمال تؤدي إلى أذية ذاتية مباشرة مع أو بدون أذية الآخرين، وعندما تكون الأذية ذاتية فقط، يلعب الفاعل هنا دور القاضي و المتهم معاً، وهكذا نطرح مفهوم الرقابة الذاتية.
كما نعلم، هناك مصطلحات جدّ حساسة وقاسية على النفس البشرية مثل : كاذب، مخادع، منافق، مجرم، حرامي، مجنون، فاسد، خائن، كافر، زاني،.....الخ. ويزداد تحسسنا أكثر عندما يتم ربط هذه المصطلحات بمرجعيات معينة مثل : (الإله- الدين)، (الدولة- القانون)، (المجتمع- التقاليد)، (الأسرة- النظام الأسري)، (مجموعة العمل – قانون العمل).
لذلك يمكن أن تكون الرقابة الذاتية خطوة مهمة نحو اكتشاف أخطائنا وتصحيحها بعيداً عن تحسسنا من سماع انتقاد الآخرين لنا من خلال مصطلحات حساسة. و آلية عمل هذه الرقابة الذاتية هي حوار ذاتي بين ثلاثة هم: العقل – النفس – الغريزة، فالعقل لا يمكن أن يخطئ بحكمه، سيعطي الحكم الصحيح على أية مسألة نطرحها ذاتياً، لذلك بعد أن يعطي العقل حكمه سينحصر الحوار الذاتي بين اثنين هما النفس و الغريزة. الأمر المثالي والطبيعي هو أن تمتثل كل من النفس و الغريزة لقرار العقل، وغير ذلك نستطيع القول أننا نعيش بنفس و بغريزة مع تغييب دور العقل، فمما لا شك فيه أن العقل موجود عند كل إنسان.
و يمكن فيما يلي ذكر الفوائد الذاتية و المجتمعية للرقابة الذاتية :
- بدلاً من تحميل الآخرين أخطائنا، ووضع مسوغات لأعمالنا، المدركون ذاتياً لها أنها خاطئة، سنتجه إلى محاسبة أنفسنا.
- سنقوم بتصحيح ذاتي لكل أخطائنا أو عدم تكرارها، بعيداً عن تدخل الأنفس الأخرى و بعيداً عن ثقل المصطلحات الحساسة.
- عندما نختلف مع غيرنا بما يخص مسألة ما، سنعلم وندرك أنه اختلاف أنفس و غرائز فقط.
- سنبتعد عن الأهواء المدمرة لأنفسنا و/أو أنفس غيرنا.
- ستساعدنا عملية الرقابة الذاتية على اكتشاف أمور في أنفسنا كنا لا نهتم بها أو لا نعرفها.
- سنبتعد عن السقوط في فخ "الفعل و رد الفعل".
وهكذا نستطيع القول، للوصول إلى مجتمع سليم و مجتمعات متحابة فيما بينها، لا بد من التنفيذ الذاتي لقرارات عقلنا و ليس لما تأمرنا به أنفسنا و غرائزنا. ولا بد من التذكير بكلمات الله في القرآن الكريم التي تشير إلى هذا الموضوع من خلال الآيات الكريمة التالية:
قال الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
1- " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون" (الجاثية 15)
2- " ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" (ق 16)
3- " اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا * من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولاتزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسول" (الإسراء 14-15)
4- " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك" (النساء 79)
5- " وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون" (يونس 100)
6- " وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم" (يوسف 53)
7- " أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيل" (الفرقان 44)
8- " وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" (النحل 33)
9- " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى " (النازعات 40-41)
صدق الله العظيم
https://www.facebook.com/you.write.syrianews