نعيش الآن عالمياً ذروة الفتن. و فتنة تعني اختلاف وتناحر البشر فيما بينهم حول قيم و مفاهيم تتبع أهواء أنفسهم. و نقول "أهواء أنفسهم " لأنه لا تستطيع أية مجموعة مفتونة وفاتنة أن تثبت بشكل مطلق صواب القيم والمفاهيم التي تتبناها من جهة، ولأنها لا تريد أن تفاجئ نفسها بمصطلحات جديدة تحمل في طياتها مفهوم "الحداثة " من جهة أخرى، وهنا لن نتوقف عند هذا المفهوم "الحداثة " المختلف عليه كثيراً و بالتالي الغير واضح معناه ومقصده لدى أكثر الناس، وذكرته هنا ضمن سياق تطوير الذات للوصول إلى الفهم الصحيح لكل شيء عن طريق العقل والتفكر بما يتلاءم مع التغيرات التي تحصل على جميع المستويات.
تتجسد هذه الفتن من خلال مصطلحات سائدة ضمن المجتمع الواحد (الدولة الواحدة)، أو بين مجتمعات مختلفة، فنسمع بمصطلحات من هنا وهناك مثل : متخلف، متطور، نامي، عنصري، متفكك، متحرر، منغلق، حضاري، متقدم، علماني، متدين، صناعي، زراعي، سياحي،....الخ. وفي ظل زحمة هذه المصطلحات قد يخال للبعض أن الإنسان الذي يعيش في اليابان هو غير الإنسان الذي يعيش في المكسيك مثلاً، ولكن الإنسان يبقى إنساناً أينما وجد على الأرض.
فإذا حصرنا هذا الموضوع في مجتمعاتنا العربية وزدنا الحصر أكثر في مجتمعنا المحلي، فإننا سنجد فتناً مبنية على مصطلحات، سأنأى بنفسي عن ذكرها، لغرابتها و أحياناً لجسامتها. و لا يخفى على أحد زحمة المصطلحات الفكرية و الدينية و الاجتماعية و الجغرافية و الاقتصادية التي تحمل في طياتها كل الفتن.
والشخص الذي يسير في هذا الطريق المزدحم بالمصطلحات، سيبحث عن المصطلحات التي تناسبه ويدخل في فخ الفتنة، وقد يغيرها أثناء سيره حسب أهوائه، وكلما ازدادت المصطلحات ازداد ضياعه و تخبطه حتى يصل إلى النفق المظلم.
فإذا سألنا الله عز وجل عن كل هذا، فإنه سيرشدنا إلى كتبه الثلاثة، لنجد أن كل الفتن هي من صنع إبليس، حيث يستمد إبليس سعادته و بقائه من هلاك الناس و تعاستهم، فمثله كمثل بعض الحشرات الضارة للإنسان والتي تتغذى على الأوساخ لتنقل الأمراض للإنسان. و لا داع هنا للتذكير بأنه لا يوجد وجه مقارنة بين هذه الحشرات و النحل مثلاً، و ليس عجباً أن يقول بعض العلماء أنه " من علامات نهاية العالم انقراض النحل ".
كما سنجد بسؤالنا الله عن كل هذه الفتن، و بتعمقنا الفكري في القرآن الكريم، الذي يحمل الرسالة الإلهية الخاتمة للبشرية، أن الله قسّم البشر إلى مجموعتين أساسيتين هما "الخير " و "الشر ". حيث يوجد مصطلحات في المجموعة الأولى مثل : مؤمنون، صالحون، صابرون، محسنون، متقون، مصلحون علماء....الخ، و في المجموعة الثانية مصطلحات مثل : منافقون، كافرون، مجرمون، فاسدون، سفهاء، جاهلون....الخ. وهكذا استبدل البشر هذه المصطلحات بمصطلحات جديدة لم ينزل الله بها من سلطان، واتبعوا أهوائهم ووصلنا إلى ما وصلنا إليه من فتن و ضياع وظلام.
فالبشرية الآن، على ما يبدو لي، هي على مفترق طرق، إما أن تدخل في النفق المظلم بلا رجعة و الكل "هالكٌ ومُهلَكٌ "، وإما أن تجد متنفساً لها ترى منه النور لتصلح نفسها. و قد وردت آيات كريمة في القرآن الكريم تتناول هذا الموضوع، سنذكر بعضها فيما يلي.
قال الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
1- "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه و هم يلعبون " (الأنبياء 2)
2- "وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين " (الشعراء 5)
3- "ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد " (إبراهيم 19)
4- "وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد " (السجدة 10)
5- "والله لا يحب الفساد " (البقرة 205)
6- " فإن الله يحب المتقين " (آل عمران 76)
7- "والله يحب المحسنين " (آل عمران 134)
8- "والله لا يحب الظالمين " ( آل عمران 140)
9- "والله يحب الصابرين " ( آل عمران 146)
10- "إن الله لا يحب من كان مختالاً فخور " (النساء 36)
11- "إن الله يحب المقسطين " (المائدة 42)
12- "إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم " (الرعد 11)
13- "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم " (الروم 22)
14- "والفتنة أشد من القتل " (البقرة 191)
15- "وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض " (فصلت 51)
16- "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميع " (المائدة 32)
17- "إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان " (النجم 23)
18- "إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين " (النساء 133)
19- "كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة " (الأنبياء 35)
20- "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " (هود 117)
21- "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير " (آل عمران 104)
صدق الله العظيم
https://www.facebook.com/you.write.syrianews