لم تكن مشاهدة رياضة التعرّج القصير على الثلج للبنانية جاكي شمعون في ألعاب سوتشي الأولمبية هي الشغل الشاغل على مواقع التواصل الاجتماعي، بل مشاهد التعري العلني من أجل "روزنامة " تضم رياضيين في لعبة التزلج، بغض النظر عن زمن التقاطها.
أيضاً، ورغم ولع الجمهور العربي من المحيط الى الخليج بمشاهدة المسابقات الرياضية، وبالأخص مباريات كرة القدم على مستوى العالم، على الرغم من ندرة فوز الفرق العربية، فإن صورة الفتاة العربية المسلمة علياء المهدي "عارية " استطاعت أن تحشد في يوم واحد عبر الانترنت مايفوق بأضعاف جماهير خمس مباريات لمنتخبات كروية عربية تنافست من أجل التأهل الى مونديال البرازيل 2014، مابين معجب ومستاء وبين بين. والمعجبون وإن مسحوا آثار الهزيمة الكروية مع مسحهم عرق جبينهم وأيديهم وأرجلهم بسبب انفعالاتهم الرياضية.. فربما لن يستطيعوا مسح هذه الصورة ومثيلاتها من مخيلاتهم، وربما يصرّون على ابقائها خليلة لخيالهم ماداموا مشاهدين وليس لاعبين يتحملون وزر الخسارة.
وليس بعيداً عن مخيلة هؤلاء فقد لجأ الاتحاد الدولي لكرة القدم الى الاستعانة بعارضة أزياء شابة جميلة للمشاركة في قرعة كأس العالم للمنتخبات المتأهلة، وهي بنفس الوقت ممثلة مشاركة سابقاً في فيلم إباحي. هذه الحسناء كانت هي الفائزة في تلك السهرة الكروية، وأضاعت بإطلالتها المثيرة إثارة قرعة المونديال ونتائجها، وخاصة بالنسبة للفريق العربي الوحيد فيها، حيث نجحت في خطف الأضواء من نجوم كرة القدم الذين شاركوا بالسحب، وحتى من رئيس "الفيف " ورئيسة البلاد أنفسهم، وشاهدها أكثر من نصف مليار شخص من مختلف دول العالم، فضلاً عن جمهور الفيسبوك وتغريداتهم، التي تجاوزت بعددها التغريدات المتعلقة بالقرعة ذاتها ونتائجها. كثيرون تلقوا هذه المواءمة الكروية الأنثوية بروح رياضية وحماس ملتهب، لكن الأمر لم يخل من محتجين كثر أبدوا استياءهم إزاء هذا التصرف ووصفوه ب "السقطة الأخلاقية ".
وغير بعيد عن المشجعات عرياً لنجوم اللعبة الساحرة، وغيرها من الرياضات، ثمة نجمات شهيرات في مجالات مختلفة، لم تكفها الشهرة على المستوى العالمي، لاتتورع عن الظهور عاريات للترويج ليس فقط لأعمال فنية وأفلام ومسلسلات، بل لسلع نسوية متنوعة هدفها الاكساء وليس الاغراء... هنا مغنية مشهورة تدعي العالمية وتظهر عارية تماماً على غلاف مجلة للترويج لشىء ما لا ندعي معرفته.. وهناك ممثلة على درجة عالمية من الشهرة أيضاً تظهر عارية الصدر لا لأنها فقدت حمالة صدرها، بل من أجل الترويج لحذاء أو حقيبة نسائية!! ممثلة مخضرمة تقول أنها ستظهر عارية في مسلسلها الجديد لاظهار مناطق أخرى في جسدها عوضاً عن ملامح وجهها الحسن الذي أصيب بالشيخوخة. فنانون وشعراء وكتاب يستعملون خيالاتهم لإظهار عري المرأة، وبلغ الأمر حداً أن فناناً سويدياً لم يبخل علينا برسم تخيلي لشكل الممثلة الأميركية انجلينا جولي بعدما خضعت لعملية استئصال لثدييها، حيث رسمها في صورة عارية الصدر لبيعها في مزاد علني من أجل السلام في دولة افريقية!!!
هذه مقدمة غربية وقد تكون طويلة، ولكنها ليست غريبة طالما أن عدوى التعري عرّت عاداتنا وتقاليدنا، وليس في متنها ماهو مثير بشكل كلي. فقد أصبح تعري النساء الغربيات مألوفاً رغبة منهن في استثمار جسدهن للترويج والتسويق لسلعة معينة، ومؤخراً للدفاع عن حرية المرأة وحقوقها، وحرية التعبير وتغيير الصورة النمطية للمرأة بأنها لا تصلح إلا للطبخ والزينة، وكذلك من أجل إبداء احتجاجهن أو تأييدهن لقضية ما، كالبطالة والفساد، وفوز زعيم سياسي، أو للايقاع بمسؤولين ب "فخ التعري " المسند بالصور، وحتى زواج المثليين، الى حد الوصول الى تأسيس حركات للنساء العاريات، والتعري احتجاجاً ضد "التعري " ومن أجل الحد من ممارسة الرذيلة وتجارة الجنس واستغلال الأنثى، وجذب الاهتمام إلى وضع المرأة في مختلف أنحاء العالم.
وهذا بطبيعة الحال لايعني عدم وجود نساء في نفس المجالات يقفن بشكل كامل ضد تعري الأنثى ويعتبرن أن لا مبرر له، وأن الفتاة المكسيّة تكون أحياناً أكثر جمالاً وإثارة وفضولاً لدى الرجال لتخيّل ما خفي من جسدها الفاتن.
لكن الجديد والمثير بحد ذاته هو انتقال ظاهرة التعري الى دول عربية ومسلمة، ورؤية نساء عربيات ومسلمات يتعرين احتجاجاً على قضايا مختلفة، وخصوصًا فيما يتعلّق بالمرأة ذاتها، قد يكون أغربها التعري احتجاجاً ضد الحجاب، بحكم أنهن ينتمين الى مجتمعات محافظة وتقليدية. أدرن ظهرهن للتقاليد ووجههن للتقليد.
وعلياء المهدي ليست الفتاة الأولى التي لجأت الى ممارسة "مصارعة الحرة " للفوز بكأس قضايا المرأة، رغم قلة اللاعبات وندرة فوزهن أيضاً، وأمسينا نرى هنا وهناك معجبات سائرات على خطاها العارية،الى حد اعتبار ما قامت به علياء "ثورة " تحدث لأول مرة في العالم العربي.
من لبنان الى المغرب العربي، ومن ايران الى السعودية، وصولاً الى النساء العربيات في المغترب، نشهد حالات لنساء عربيات كسرن التقاليد بطرقهن الخاصة، تقليداً واقتداء بغيرهن. وطالما لانملك اجابات على سؤال لماذا "تتعرى المرأة " لأنه من غير الممكن تعميم السؤال ولا الظاهرة ولا حتى الوصول الى أنصار الظاهرة لاجراء استبيان لآرائهم، فسنكتفي بالصورة التي تقدمها لنا وسائل الاعلام المرئية والمصورة. فبعد أن قالت العديد من عارضات الأزياء من أصل عربي أن لاشىء يمنعهن من الظهور عاريات في المجلات، وفي مقدمتها (بلاي بوي) ، نرى أن الفنانة هيفاء وهبي تزداد عرياً وتشبه نفسها بالأسطورة "أندروميد "، بنت ملك أثيوبيا، التي ادعت أمها أنها أجمل من حوريات البحر. وتلجأ مواطنتها عارضة الأزياء ميريام كلينك للتشبه بعصفورة الثلج وتقول أنها ستتصور عارية في ثلوج لبنان لأغراض انسانية، وتتباهى بأنها سوف تخلع ملابسها أكثر وأكثر وتنشر صورها العارية في الشرق، وذلك قد يكون اقتداء بسيدات عربيات يتعرين بالكامل على رمال شواطئ العراة في الغرب.
وفي حين ظهرت الممثلة التونسية نادية بوستة شبه عارية على غلاف إحدى المجلات المحلية، كانت صورة الفنانة الباكستانية فينا مالك تثير ضجة بظهورها على غلاف مجلة هندية. واذا كانت ملكة جمال مدينة مليلة فرح أحمد علي، أول مغربية مسلمة تظهر نصف عارية على صفحات مجلة “سييتي” الرجالية، فقد احتلت ريما فقيه، ملكة جمال أمريكا ذات الأصول العربية المسلمة، غلاف مجلة "مكسيم " نصف عارية أيضاً. ولم تتردد المواطنة الأمريكية نادية سليمان، عربية الجذور، الشهيرة بأنها أول سيدة تنجب 8 توائم دفعة واحدة، في الظهور شبه عارية في مجلة "كلوزر " البريطانية الشهيرة مقابل المال، بحجة إطعام أطفالها، الذين يصل عددهم الاجمالي الى 14 طفلاً، وساندتهن الناشطة الإيرانية مريم نظمي عن طريق التعري في صور لحساب تقويم عارٍ أصدرته منظمة "فيمن " النسائية، التي تشتهر ناشطاتها بالتعري كوسيلة احتجاج من أجل مواضيع مختلفة، وتضم في كواليسها نساء عربيات.
وهذه ليست إلا نماذج مختلفة لحالات تجسدها نساء شرقيات قررن تحدي المحرمات في مجتمعات تتصف بالمحافظة، وأحياناً بالتطرف. لكن حالات تعري المرأة المتزايدة تستدعي وقفة للتأمل والتساؤل. فالمرأة التي هبطت من الجنة عارية إلا من ورقة تين، واكتست عبر ملايين السنين، هاهي تستعيد رحلة الهبوط الى الأرض.
جاكي شمعون اعتذرت لمواطنيها واعترفت أن لبنان بلد محافظ، وأن هذه ليست الصورة التي تعكس ثقافتنا!!!
يتبع...
https://www.facebook.com/you.write.syrianews