كنت في أحد دور النشر أشتري مجموعة من الكتب كان أحدها غير موجود لدى صاحب الدار .. فاتصل مدير الدار بمكتبة قريبة ليرسل له الكتاب ، فدخل يحمل الكتاب شاب في العشرينات من عمره ، يضع سلسلة في عنقه ، وبلاك في معصمه .
وقد وضع على شعره كماً كبيراً من الجيل ... إضافة لخصر بنطاله المنخفض جداً .. وضع الشاب الكتاب على الطاولة . - هذا الكتاب أرسله "فلان" من مكتبة (...) والتفت ليمضي .. فإذا بصاحب الدار يبادر فوراً يسأله وهو يتأمله من الأعلى لأسفل : - هل أنت تعمل عند "فلان" ؟ - لا .. أنا جاره الحلاق ..! وقد طلب مني إيصال هذا الكتاب لأن موظفه غير موجود .. فتنفّس الصعداء صاحب الدار وقال : - توقعت ذلك .. فصاحب المكتبة "فلان" لا يمكن أن يعمل عنده من يرتدي مثل هذه المناظر ..
فصعقت من هذا الكلام وأنا أنظر إلى عيني الشاب الذي يبدو أنه جُرح من هذا الكلام .. فتوقف الشاب في مكانه ، ثم قال بكل هدوء : - وماذا ترى فيَّ ؟ ملحد ؟ ولا كافر ؟ ولا فاسق ؟ الحمد لله لا بقطع فرض صلاة بالجامع ،.. ولا بعمل حرام ،.. ولا باكل حرام .؟؟ ولا بدك ياني تكون لحيتي لبطني حتى تدخلني عالجنة ؟؟
ثم التفت إلي وقال : ما شفتني وقت صليت جنبك بالجامع ؟ بالعلامة سرقولك حذاءك ..!! ومضى لا يلوي على شيء تاركاً صاحب المحل جامداً في مكانه لا ينبس ببنت شفة .. كنت قد أشفقت على الفتى عندما كلمه صاحب الدار .. ولكني اليوم أشفق على صاحب الدار وعلى الكثيرين من أمثاله الذين يحكمون على الناس ، ويطلقون أحكامهم لمجرّد علامة وجدوها في المرء .. وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي يقول فيه (هلا شققت على قلبه)