news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
لماذا لا يقتفي البرلمان السوري أثرَ نظيره العراقي في المساءلة والمحاسبة ؟    .... بقلم : د. عبد الحميد سلوم 

**الكثيرون تابعوا في الآونة الأخيرة الدور البارز الذي قام ويقوم به البرلمان العراقي في استدعاء واستجواب أبرز الوزراء في الدولة نتيجة  الفشل أو سوء الإدارة أو سوء استخدام السُلطة لمحاباة الأقارب والمدعومين في الدولة !.


وسيتمُّ استدعاء وزير الخارجية المتهم بسوء الإدارة ومحاباة أهل الدعم والواسطة والمحسوبيات وإضعاف السلك الدبلوماسي بتعيين رؤساء بعثات ليسوا أهلا لذلك على حساب أهل الكفاءات والمؤهلات والخبرات والمقدرة .. ونَقلِ آخرين لا علاقة لهم بالمهنة الدبلوماسية إلى وزارة الخارجية وليسوا مؤهلين كفاية للقيام بواجباتهم ويفتقرون إلى اللغات والخبرة .. الخ .

 

*رئيس هيئة النزاهة في البرلمان العراقي صرّحَ أنه قريبا سوف يتمُّ استجواب وزير الخارجية العراقي وإحالة ملفهِ إلى القضاء  ، ولفتَ أن نظام " المحسوبية والمنسوبية منتشرٌ في أروقة وزارة الخارجية " .... ثمّ خرج أحد المحللين العراقيين (من عمّان) ليتحدّث عمَا يدور في الخارجية العراقية من فساد إداري يقوم على الشخصنات والمحسوبيات والدعم والواسطات ومبدأ التنفيعات  وتوزيع الدبلوماسيين على البعثات بحسب الواسطات ،، وأن وزير خارجيتهم حوّل الوزارة إلى إقطاعية , وغابت المعايير في التمديد للبعض في البعثات وفي الوزارة  وبات كل شيء يخضع للأمزجة والمبررات التي لا تصمد أمام أي منطق .... الخ ...

 

*ظننتُ للوهلة الأولى أن ذاك الشخص يتحدثُ عن الخارجية التي كنتُ أعمل بها ، ولكن فهِمتُ قصدهُ حينما قال : "لكلِّ تلك الأسباب فإن لجنة النزاهة سوف تقوم باستجوابه وسيقوم البرلمان بسحبِ الثقة منه " .... وأدركتُ أن المقصود هو وزير الخارجية العراقي ، لأنهُ في برلماننا نحنُ لا توجد لجنة نزاهة ولا يجرؤ للأسف الشديد أي عضو برلمان أن يتحدث بحريته إزاء أي وزير ما لم تأتهِ التوجيهات والتعليمات وحدود ما يمكن أن يتحدّث به  وخاصة إن كان وزيرا سياديا !..

 

*لا يمكن للمرء إلا أن يوجِّه كل التحية والتقدير لبرلمان العراق على الرغم من كل السلبيات الكامنة بهِ وبالعراق على وجه العموم ، ولكن على الأقل هُم قادرون أن يستدعوا أكبر الرؤوس ويستجوبونها ويسحبون عنها الثقة ويحيلونها إلى المحاكم ...

 

**لماذا لا يقتفي البرلمان السوري أثرَ نظيره العراقي في التحقيق بالاتهامات والفساد الإداري الموجه لوزير خارجيتهم ؟. فكل الأسباب التي اعتمدوا عليها في العراق للأستجواب موجودٌ أضعافها في  خارجيتنا التي باتت مزارع للأب وأبنائه وللأخ وأخيه والأخت وأختها ، والأهل والأقارب ، والأباء والأبناء .ولأصحاب الدعم والواسطات ، وانعدمت فيها كل أشكال المعايير لتأخذ مكانها المزاجية والمحسوبية وتصفية الحسابات ( وأنا مسؤولٌ عن كل كلمة  ولتستجوبني أية لجنة في مجلس الشعب) !.

 

هذا ليس بِسِرٍّ ، هذا موثّق بحقائق ووقائع يعرفها الكبير والصغير ، وقد أعلمتُ بتفاصيلها البرلمان السوري والرئاسة ورئاسة الوزراء وقيادة الحزب منذ زمن... ولكن لم يتغيّر شيئا سوى إبعاد السائق الذي كان الآمر الناهي في الوزارة .. وما زال هناك من طحشَ على سنِّ 75 من العُمر ومن مهمة لأخرى ليتقاضى باليورو وبين يديه أهم ملفات الوزارة .. ومن هُم أكفأ  وأقدر منه بأضعاف المرات صرفوهم إلى بيوتهم .. هل من يفعلون ذلك يعنيهم تحقيق انتصارات  وبناء دولة مؤسسات؟.

 

*بأي حقٍّ يجوز لشخص قطع مُنتصف العقد السابع من العُمر ، أو بلغ منتصف العقد السابع من العمر أن يبقى في أعلى المناصب ويصرف الناس الأصغر بـ 15 سنة لبيوتهم وهم في عزِّ صحتهم وحيويتهم ونشاطهم وخبرتهم ، وهؤلاء هُم من يوزعون شهادات وطنية ونزاهة وضمير على كل دُعاة الوطنية والضمير ؟. هل هذا شغل رجال دولة أم رجال عصابة ؟. وهل هذا وطنٌ لجميع أبنائه أم لشريحةٍ فقط من أبنائه ؟. وهل من حق الناس أن تنتفض بوجه هذا الظُلم أم لا ؟. فإما دولة للجميع ومساواة للجميع وتكافؤ فرص للجميع وعدالة للجميع وقانون على الجميع ، وإما الطبيعي أن ينتفض كل المظلومين والمتضررين  ، هذا حقهم !.

 

*بأي حقٍّ يبقى البعض من منصبٍ لمنصبٍ والأكفأ منهم  (ومن أعمارهِم) يتحسّرون على حالهم وكأنهم غرباء في وطنهم ؟. هل من ظلمٍ أكثر من ذلك ؟. هل من إقطاع سياسي أكثر من ذلك؟. هل من دفعٍ للبشر للشوارع أكثر من ذلك ؟.

 

*العراق ، ورغمَ ما يعتريه من خصام وشقاق ، هناك برلمانا حجب الثقة عن وزراء مهمّين، وسيستدعي وزير الخارجية للتحقيق معه بأمورٍ لا تعادل 10% مما في خارجيتنا .. فهل يجرؤ برلماننا على الإقدام على هكذا خطوة ؟. وقد أرسلتُ للبرلمان تفصيلا بهذا الخصوص ، فهل سيستجيب ؟.

 

**يضعون وزراء وسفراء في مناصبهم وينسونهم ... ويوهمون الناس أنه لا يوجد بديلا (وكأن نساء سورية لم تُنجِب سوى أولئك) ، مع أنه في ساعة واحدة يمكن إيجاد مائة بديل لأيٍّ منهم !.. ويريدون من الناس بعد ذلك أن ترضى وترضخ وتصفق لهم .. يعني أن تقبل بدولة المزارع والإقطاعيات والظُلم والعقول المبنية على ثقافة الشِلَلْ الجغرافية أو المذهبية أو القرَابات والمحسوبيات ، وذهنية العصابات !.

 

**في خارجيتنا تمّ اعتماد مرسوم عنصري تمييزي بين أبناء المؤسسة الواحدة (رقم 4 للعام 2010 الذي فصّلوه على مقاس شخص)  يُبقي على المدعومين حتى سنِّ السبعين عاما ، بعد منحهم ألقاب سفراء (وكله بالواسطة ولا معيار لذلك سوى الواسطة، وأتحدّى أن يكون غير ذلك) ..  لا يوجد معيار لبقاء هذا السفير 15 عاما وغيره 12 عاما وغيره 10 أعوام  وغيره 8  أعوام والآخر ستة أعوام والثالث 7 أعوام .. وهكذا ... لا يوجد معيار لشيء سوى المحسوبية ... جاؤوا بأشخاص من خارج السلك ونصبوهم سفراء وهم لا علاقة لهم بالسلك ولا يعرف غالبيتهم كلمة بِلغة أجنبية في الدنيا ، ولا يحملون فوق الإجازة الجامعية .. بينما أبناء السلك ذوي المهنة والمؤهلات العالية والكفاءة والخبرة لأكثر من ثلاثة عقود،  وأهل اللغات الضرورية جدا للعمل الدبلوماسي أقصوهم إلى بيوتهم ، وزملائهم المدعومين من أعمارهم أبقوهم رؤساء بعثات أو مدراء إدارات ...فهل من إقطاعية ومزرعة وتمييز أكثر من ذلك ؟.

 لماذا لا يتوقف مجلس الشعب عند كل ذلك؟. لماذا لا يسأل بأي قانون يبقى البعض سفراء 15 سنة متواصلة وقد جمعوا ما يعادل أكثر من مليار ليرة سورية من ثروات هذا الشعب المفجوع ؟؟

 

هل تقاضتْ عائلات ألف شهيد مليار ليرة سورية ؟؟ هل قدّم أولئك للوطن ما قدّمهُ شهيدا واحدا ؟. يمكن أن نجِد بِساعةٍ واحدةٍ ألف بديلٍ لواحدهم  ، وأفضل منه ، فلماذا كل هذا التكريم والتفضيل والانحياز لهم ؟. هل عقُمتْ أرحام السوريات ؟. أليسَ هذا تحريضٌ للناس للاحتجاج على الدولة ؟.  أليسَ هذا ترسيخ لعقلية المزارع والإقطاعيات ؟. ألا يستحق كل ذلك استجواب الشخص المسئول ؟.  كم سفيرٍ غربي وأمريكي تغير على مدى 15 سنة وبعض السفراء السوريين مستمرين ؟. حتى في لبنان حيث لا يوجد رئيس دولة ، كَمْ سفير غربي وأمريكي تغيّرَ وجاء بديلا عنه ؟. قبل زمنٍ قصير عيّنوا سفيرة أمريكية جديدة في بيروت وها هي تمارس نشاطها أكثر من أي سفير مع أنه لا يوجد رئيس جمهورية !.

 

 نعم هكذا تكون دول المؤسسات والمعايير والقانون وتكافؤ الفرص ، ومِثلنا تكون دول المزارع والإقطاعيات ... فالأولى من تقدُّم إلى تقدم ، والثانية من تخلف إلى تخلف ، فالتقدم يحتاج لعقول تفكر بطريقة مختلفة !..

 

*كل شيء تعرفهُ غالبية الجهات المسئولة بالدولة ، ولكن لم يتغيّر شيئا ... كم كنتُ أتمنى أن يستدعونني للبرلمان للإدلاء بشهادتي أمام أية لجنة في هذا الخصوص بالأدلة والوقائع والإثباتات (وبحضور المسئول المعني) ، ولكن هذا لم يحصل ... ولم أنطلق مطلقا في ذلك من دوافع شخصية وإنما من دوافع المسئولية الوطنية الصرفة التي تربّيتُ ، وربّيتُ عليها عشرة سنوات في جامعة دمشق كناشطٍ حزبيٍ ونقابي ، ومن ثم طيلة عملي بالخارجية ..فلا يمكن لِصاحب ضمير أن يرى كل ذاك السلوك وتغييب المعايير وتكافؤ الفرص والأسس ، واعتماد الشخصنات والكيديات ، ويبقى صامتا ، رغم ما يترتّب على الكلام من نتائج غير مريحة أحيانا  .. ولكن تعوّدنا أن يكون ضميرنا حيّا طيلة حياتنا!..

2016-10-07
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد