خلال زيارتي لسوريا قبل أشهر تحدثت مع العم (أبو أيمن) الذي قابلته في أحد أسواق حلب عن المسلسلات الشامية ، وأبلغني العم أبو أيمن أنه غير معجب بها ، وعندما سألته عنها قال لي أنها تخالف الموروث الشامي كثيرًا ، وتأتي بأمور وتنسبها للبيئة الشامية والشام منها بريئة .
وعندما سألته عن الوجبات التي تعرض في المسلسلات الشامية كالقشة والبالوظة والكبة وغيرها قال لي أنها بالفعل من أكلات الشام ولكن لها طقوس ومناسبات أغفلتها المسلسلات الشامية .
وعندما سألته عن حفلات الزواج التي تكون في المسلسلات الشامية قال لي أنها ليست من البيئة الشامية أبدًا ، فالزفة الشامية تختلف كثيرًا عما عرض في المسلسلات الشامية ، فقد كان شباب الحارة يتنافسون على أداء العرضة الشامية ، وكان من أهم الأمور هو تعلم الشباب (للدبكة الشامية) ، أما لدى النساء فلم يكن ثوب العروس مثل ما تشاهدونه في المسلسلات ، الثوب الأبيض وفق الموضة والمكياج من أحدثه ويدعى أنها شامية !!! .
وكانت العروس خجولة في ليلتها ولم تكن تشارك في الرقص مع بقية صبايا الحارة ، بل أن بعض حارات الشام كانت تعتبر أنه من العيب أن ترقص العروس ، وبزواجها تكون قد كبرت عن مثل هذه الرقصات ، وكن الصبايا يحرصن كثيرًا على الرقص ليجذبن نساء الحارة وتتمنى كل واحدة منهن أن تكون هي العروس القادمة ، وكانت أم العروس تهيئ ابنتها لكي تكون أمًا في المستقبل ، وكذلك الأب كان يهيئ ابنه ليكون أبًا في المستقبل .
كما أكد لي العم أبو أيمن أن التكاتف والتعاون كان سمة من سمات الحارة ، وعلى الرغم من ضيق الحياة وغلاء الأسعار التي كانت تعاني منها الحارات ، إلا أن كبار رجال الحارة كانوا يمدون أيديهم للأسر الفقيرة ويعاونوها ويساندوها ويهتمون بأبنائها في حال وفاة والدهم ، وتكاد لا تجد فقيرًا في الحارة بسبب تكاتفها وتعاضدها ، ومثل هذه الأخلاق لم نجدها في المسلسلات الشامية باستثناء شخصية (أبو حجاز) الذي كان مهتمًا بالطفل (رضوان) الذي مات والده ، وكان يساعد تلك العائلة الفقيرة ويقف بجوارها ، وفي مسلسل (باب الحارة) على الرغم من كرم العكيد أبو شهاب والزعيم أبو صالح وتخصيص صندوق الحارة لدعم الأسر المحتاجة إلا أن الحارة كان تعاني من الفقر فكيف يحدث ذلك ؟؟؟؟ أليس هذا تناقض في الأفكار ....
شخصية العكيد التي أحبها الجمهور لم تعرض على الشاشة بالشكل الجيد ، العكيد كان يتميز بالشجاعة والبسالة وكان يقدم روحه فداء لأهل حارته وكم واحد منهم استشهد كرمال أهل حارته ، ونجد أن المسلسلات الشامية قد أغفلت هذا الجانب كثيرًا باستثناء شخصية (أبو شهاب) التي ماتت بسبب الخلاف بين الممثل والمخرج ، ولولا هذا الخلاف لدامت الشخصية حتى الجزء الخامس ، الزوجة كانت مطيعة لزوجها وتتميز بأخلاقها ، لم تكن ذليلة ولم تكن عاصية وشقية ، والمسلسلات الشامية عرضت نساء الحارة إما ذليلة تشعر وأنت تشاهدها أنها خادمة ذليلة تنتظر راتب نهاية الشهر ، أو قوية عصبية طائشة ما يقدر عليها إلا اللي خلقها ......
لقد أغفلت المسلسلات الشامية الكثير من الموروث الشامي كالطقوس الرمضانية والأعياد وموكب الحج والأعراس وطهور الأولاد وحفظ القرآن الكريم والتعلم لدى الشيوخ والحرص على الصلاة مع الجماعة والترابط والمحبة والمودة بين أهل الحارة ، ونجد المسلسلات الشامية تحرص على مقاومة الفرنسيين وسحب الخناجر والسكاكين "وإن كنت رجال فرجيني مراجلك لأشوف" "الله محيي شاربك يا أبضاي" "لو تنطح رأسك في الحيط ما راح تطول ظفره" " الله أكبر يا رجال" "
والسلاح وصل الغوطة والرجال بدهم مساعدة أكثر" " يا رجال اشحطوهم للكركون" وجميع رؤساء الكركون يحبون الأكل والرشاوي ، والمهاترات بين نساء الحارة و"درب يسد ما يرد" "يبعث لك حمى تسلق بدنك" "وأنا بنت الحسب والنسب" وجميع الزواجات لا تمر بخير بسبب الخلافات بين أم العريس وأم العروس ، والطلاق هو السمة البارزة في أكثر من مسلسل .