صراع الإنسان لتحصيل غذائه ، هو صراع بماض وحاضر ومستقبل ، ولعل بدايات هذا الصراع كانت مثيرة، فاحتيال الإنسان الأول لتحصيل ما يقيم أوده، بالجري وراء الوحوش ، ارتبط بآلية طبيعية لا ينضب وقودها، لارتباطها عضوياً ، باللذة التي تسدّ الفم وتخرس المعدة وملحقاتها .
أما حاضر قصّة الزقوم هذه فمقلق ، لتطور الأدوات في هذا الصراع وتباين أطرافه ، فالصراع مع الطبيعة وملحقاتها ، تحول إلى صراع مع الأشقاء في الإنسانية وملحقاتها ، في معركة لم يعد كافياً فيها ، تعليم القدمين آلية مصادقة الرياح ، بل صار لزاماً ، تعلّم الفر من ّأمامها أيضاً ، سيما إذا كان الشراع ، منفوخاً بأهواء أفراد وجماعات وحكومات لا تشبع .
أما مستقبل الغذاء العالمي ففيه تكمن العقدة وأمّ المشاكل ، فإذا علمنا أن كل مليون من أبناء آدم يستهلكون يومياً ،2000 الف طن من الأغذية 625 ألف طن من المياه ، و9500 طن من الوقود فقط ، وأن هؤلاء لم ينجحوا حتى الساعة (على الأقل عندنا ) في حلحلة قضايا مستعصية، كتخفيض معدل الولادات، وزيادة ريعية الأراضي الصالحة للزراعة ، مكافحة التصحر ، ترشيد استهلاك المياه ، الخ .
أمام كل هذا الفشل المدويّ ، نرى أنفسنا مضطرين للنفخ في قرب الخطر ودق نواقيسه ، فالمستقبل يبدو مجهولاً لإننا لم نعمل يوماً لنجعله غير ذلك ، ولعل المعلوم (عندنا على الاقل) ، أنه سيأتي يوم نكافئ فيه هذا العبقري الذي اخترع الريجيم ، فهو في رأينا من أصحاب الرأي والمشورة ، أما شاربي القهوة السادة (غير المضطرين ) فهم والله من كبار المفكرين!