news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
مقهى على الرصيف.... بقلم : خلود هاشم
syria-news image

الطاولة الأولى : صديقتان


أمسكت لفافة تبغها من قعرها حين شارفت على الانتهاء , وقالت لصديقتها : أنا وهذه لنا نفس الظروف ، أقّدر جداً الوجع الذي تشعر به حين ينتهي بها المطاف فتمسي بين الأرض والحذاء , يدوسها بكل قسوة متعمداً سحق معالمها ,, وقبل قليل كانت تشعر أنها أميرة لا يمكن الاستغناء عنها .

أطلقت صديقتها زفرة طويلة قائلة : ياااااااه , تشبهين نفسك بلفافة تبغ ؟؟؟

هل تعرفين هيروشيما ؟ ذاك المرفأ الياباني الذي رماه الأميركيون بقنبلة ذرية, وخلّفت وراءها مئة ألف قتيل وخمسة وسبعين ألف جريح ؟ هي أنا , أنا أيضاً مرفأ انساني رموه أهله بزوج ثري متغطرس ديكتاتور, كان كالصاروخ , وخلّف وراءه قتيلة يتجدد قصفها كل يوم, وجيوباً كانت فارغة وبقيت فارغة

 

 

 

الطاولة الثانية : شقيقتان

 

الكبرى : طلبت لقاءك هنا لنكون وحدنا , أريد أن أخبرك بأمرٍ يهمك . اتصل بي زوجك يشكوكِ, يقول إنك أصبحت تهملين مظهركِ كثيراً في الآونة الأخيرة

الصغرى : هو يشكوني اذن ,,, أطرقت رأسها وصمتت طويلاً

ثم قالت: البارحة يا عزيزتي ذهبت إلى صالون الحلاقة , وغيّرت لون وتسريحة شعري , وعدت إلى البيت راضية وفرحة بهذا التغيير , عاد من عمله , وتناولنا معاً طعام العشاء وشربنا الشاي , ولم ينتبه ,ولم يعلق بكلمة واحدة , وأثناء مشاهدتنا لبرامج التلفزيون في السهرة , التفت إليّ قائلاً :

انظري ألا تبدو مذيعة النشرة الجوية ( أنحف) قليلاً من السابق ؟

 

 

 

الطاولة الثالثة : رجلان

 

الأول : كلما التقيتك وجدت كتاباً في يدك , ألا تمّل القراءة يا أخي ؟

ما سّر هذا الشغف بالكتب؟ ارحم عينيك

الثاني : من فرط ولعي بالكتب أشّبه كل الناس بها ,, أرى أنّ حياتهم سطورها , ولحظة الولادة ولحظة الموت دفتاها , وأسماءهم عناوينها , هناك الكتاب القيّم وهناك الكتب الرخيصة التي لا تحوي فائدة ولا أهمية وفي النهاية جميع الكتب ستطوى وتغفو على رف النسيان مهما طال أمد بقائها , وستطبع كتب جديدة بمبادئ وأفكار حديثة

الأول :مازلت أذكرك منذ أيام الدراسة الثانوية حين كان يطلب أحد الزملاء أن يستعير منك كتاباً , كنت تقطب حاجبيك وتردد على مسامعنا مقولة للأديب الراحل عبد الرحمن منيف أحمق من يعير كتاباً وأحمق منه من يرده) . وبما أنك لا يمكن أن تعير أحدا أي كتاب فلابد أن يكون لديك مكتبة غنية

الثاني: نعم عندي مكتبة تضم مئات الكتب القيمة , لكني أفكر بجدية في اهدائها أو التبرع بها, فزوجتي تتذمر من مسح غبارها يومياً , وأبنائي هاجروا إلى قارات الغربة وساعات عملهم الطويلة لا تسمح لهم بقراءة بريدهم الالكتروني ,, وأحفادي لا يجيدون حتى التحدث باللغة العربية فلمن أترك هذا الارث غير المرغوب به ؟؟

الأول : هل ستتبرع بها إلى إحدى المكتبات الكبيرة؟

الثاني : ليتني كنت مسؤولاً لأتبع مذهب الخليفة الناصر الأندلسي يوم ألزم الناس بإنشاء مكتبة في كل منزل وقراءة يومية مركزة ,,,, ولكن الآن في زمن جيل الثقافة المنكوبة على الأرجح سأهدي مكتبتي لأحد المتاحف الأثرية

 

 

الطاولة الرابعة : رجل أعمال أو هكذا يبدو

 

سحب كرسياً في تلك الطاولة الملتصقة بالجدار وجلس , طلب فنجان كاباتشينو , خلع جاكيت بذته وحلّ ربطة عنقه , ثم وضع حقيبته على الطاولة وأخرج منها أوراقاً وقلماً , تفقد هاتفه ووضعه أمامه وبجانبه سلسلة مفاتيحه الذهبية , وانكبّ فوق أوراقه بكل اهتمام دون أن يلقي أي نظرة عابرة على من حوله , لكن رائحة عطره الملفتة أجبرت جميع رواد المقهى على الالتفات له , كما أن معظم الصبايا فتحن حقائبهن وألقين نظرة على المرآة التي بداخلها , مكث طويلاً يفكر ويدوّن ويشطب , حتى أنهى ما يقوم به وابتسم ابتسامة النصر ,, لملم أشياءه وغادر المكان بعد أن ترك نصف الفنجان وبقشيشاً كريماً وتوقيعه على جريدة اليوم تحت زاوية أوجد الفروق الخمسة بين الصورتين

 

 

الطاولة الخامسة : متقاعدان

 

الأول : لماذا تأخرت , مللت الانتظار وكدت أغادر المقهى

الثاني : آسف , كنت أحضر تحاليلي المخبرية من المخبر , السكري والكولسترول هدّا جسمي , ثم إن قدماي تؤلماني لذلك كنت أمشي ببطء , ( الكبر عبر يا رجل ) كان الواحد منا يملك محركاً قوته مئتا حصان بداخله الآن المحرك ينطفئ

الأول : أوف أوف هوّن عليك , لكل عمر جماله ومتعته والحياة مليئة بأشياء جميلة

الثاني : يا صاحبي لا تهرب من الحقيقة , نحن نكبر وكلما كبرنا تصغر الأشياء الجميلة في أعيننا

الأول : سأطلب لك فنجان قهوة

التفت الثاني إلى الشارع يتفرج على المارة وفجأة توسعت حدقتاه وردد : لا حول ولا قوة إلا بالله , عشنا وشفنا , ثم عاد إلى صديقه : أيام زمان كان هناك جداراً عالياً بين الرجولة والأنوثة وكان كل منهما يختلس النظر إلى الآخر عبر الشقوق والفتحات , ثم أسند كل من طرفه سلماً وصعدا درجات المغامرة والتقيا خلسةً بعيداً عن الأنظار وعادا بسرعة ,ثم التقيا جهراً دون احمرار وجنات , ثم اعتادا اللقاء اليومي في المقاهي , ثم تبادلا الأدوار والثياب والملامح , ثم اختلط الحابل بالنابل وبات عليك أن تحزر أيهما الرجولة وأيهما الأنوثة ,,, والآن مر على الرصيف كائن بشري وتوارى عن نظري دون أن أتمكن من تحديد جنسه

ضحك الأول قائلاً : الحق عليك لأنك لم تضع نظارتك الطبية

وضع النادل فنجاني القهوة وكوب الماء , فنظر إلى فنجان صديقه وأشار إلى بقعة مستديرة تطفو على سطحه قائلا : اشرب (جاييتك قبضة) وقبل أن يمد يده إلى الفنجان تلاشت , ضحك الاثنان واتفقا على الذهاب صباح الغد لقبض الراتب

 

 

الطاولة السادسة : محسوبتكم

 

طلبت’ فنجان قهوة دون سكر من أجل (الريجيم) ,, فتحت حقيبتي وأخرجت دفتري وقلمي لأكتب هذه المساهمة , وجدت بها قطعة من الشوكولا , ترددت ثم لبيت نداءها , بل ندائي لها, وضعتها أمامي وأنا أبرر لنفسي أنها من أجل تحسين المزاج وأني سأبدأ بإتباع الريجيم من صباح الغد , تلك المماطلة التي أعتمدها كلما ضعفت أمام اغراء الشوكولا , جئت هنا لوحدي, أردت أن أغيّر جو الكتابة , صدّقوني لم أراقب أحداً لأني تعلمت منذ الصغر أن من راقب الناس مات هماً , ولم أسترق السمع ولم أتجسس على حديث أحد , هل أعترف أكثر ؟

ها أنا أنهي مساهمتي وأنا أتخذ ركناً منزوياً في آخر المقهى للتركيز في الكتابة وللتمعن في دوافعنا الى الخروج لاحتساء فنجان قهوة متجاهلين خزانة مطبخنا المليئة بأصنافها,قاصدين ومؤثرين شربها في مقهى على الرصيف

2011-01-16
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد