كم من الوقت مضى دون أن أكتب لك؟ كلما حاولت الكتابة منعني حنيني، متوقفة بعد ذلك عن كل شيء... موتٌ سريريٌ أُضرم في حياتي بعدما أخبرتني ببالغ من الأسى أنه لا عقار يفيد علتنا ...
حنين من نوع آخر دفعني إليك اليوم... لا أحن لدفءٍ في عيونك ولا لحب في نبض قلبك ولا لحياة في يديك... أحن إلى فلسطين... أطفال فلسطين ... رجالها ونسائها الذين كبروا على صور الدم والنار...
ملايين الأطفال في العالم ينتمون لجنسيات مختلفة يتعرضون للقهر والتعذيب والقتل سواء بذريعة الحرب أو بذرائع واهية أخرى... لكن لا أعرف لماذا ينفطر قلبي على هؤلاء الأطفال الفلسطينيين بالذات!... قد تكون إنسانية غير كاملة أو ربما انحياز لشعب عايشت بعضاً من أبنائه أثبتوا لي بأن الطفل الفلسطيني يولد رجلاً ويعيش أمد حياته طفلا محارباً.
هناك صورٌ جميلة في حياتنا نحتفظ بها، نزين بها جدران ذاكرتنا، نقف عندها متى نشاء، وهناك صورُ أخرى مؤلمة تَعْلَقُ على هذه الجدران محاولة تزيين نفسها… ربما تستطيع كسر حدة الألم ولو قليلاً، تماماً كما حصل مع صورة تلك الطفلة الفلسطينية (إيمان حجو) التي طهرت كل رصاصة اخترقت جسدها بدماءٍ لم تألف الحياة بعد. صورة أبت أن تفارق ضميري، كيف استطاعت فراق ضمائرهم؟؟؟
كانت صورة وحيدة، وربما كان عزائي أنها صورة يتيمة، أما الآن فلم تعد الجدران تتسع لصورهم. أية قضية أحق من هذه القضية بتنفيذ حكم إله هذا الكون؟؟؟ من سيثأر لهؤلاء الأطفال؟؟؟
ألسنا عرباً نتغنى بعروبتنا؟ أوَليس الثأر هو خاتم عربي نتفاخر به أينما حللنا؟؟ أنا لا أطالب بالثأر لرجالِ فلسطين ونسائها فهم من اختار البقاء على أمل الرحيل شهادةً، ولكنني أسألكم الثأر لأطفال لم يسعفهم الوقت في التعرف على أسباب رحيلهم.
هل يكون الثأر ببناء جدار يحجب صورهم ورائحة دمائهم إغفالاً لضمائر ما عادت تنبح ابداً؟؟
أم أننا نثأر لهم عندما تحتد واجهاتنا السياسية و شخصياتنا المشهورة ساعات من الزمن حول طاولة مستديرة أو مستطيلة أمام الأضواء متناولين شفهياً قضية تُكتب أحداثها يومياً بدماء هؤلاء الأطفال؟؟؟ او ربما ثَأرْنا لهم عندما صببنا جام غضبنا في ملاعب كرة القدم ضاربين كل الأخلاق الرياضية عرض الحائط...
ليس لي سوى أن أوافقك الرأي يا عزيزي فلا عقار يمكن له أن يشفي عللنا هذه... و ليبقى الصمت سلاحنا الوحيد وكلمتنا الأخيرة.