أثار اهتمامي و إعجابي رؤية القلوب الصلبة و العزيمة الفولاذية للشعب الياباني أمام كارثة زلزال تسو نامي الذي ضربها في الآونة الأخيرة
فلم تعاني دولة صناعية في العالم في حجم الخسائر البشرية و المادية مثل ما عانته اليابان , فالمنظر العام لمعظم المناطق اليابانية المنكوبة يشبه كثيراً كارثة ما بعد الحرب العالمية الثانية , و هذا الزلزال الأخير كان أسوأ بكثير من زلزال طوكيو عام 1922 و زلزال كوبي عام 1995 , و الأضرار تجاوزت 300 مليار دولار و هذه الكارثة كفيلة بانهيار أي دولة أخرى , صناعية كانت أم زراعية , لكن بكل تأكيد اليابان ؟؟!!.
هذا الزلزال المدمر لن يجر اليابان إلى حافة الانهيار ليس لأنها فقط قوة اقتصادية بل لأنها دولة منظمة و تضم شعباً يعشق النظام و التحدي و الإخلاص و الحياة , شعب يملك قوة اجتماعية هائلة , و يملك وعياً و ثقافة تفتقدهما شعوب العالم قاطبة ,و تجارب اليابان السابقة تؤكد أن مرونة الشعب الياباني و اعتياده على تجاوز المحن و الكوارث بنجاح ,يجعلانه مؤهلاً لتجاوز الكارثة الحالية بامتياز بل و نحو حياة جديدة و أفضل ؟!..و خاصة من الناحية البيئية و التي أهملها سكان العالم أجمع !..
يقول أستاذ إدارة السياسة في جامعة (كيو) ايجي اوغوما : (إذا لم تكبر المشكلة النووية فلا أعتقد أنه سيتم ذكر هذه الكارثة على أنها حادث كبير ).
فرغم هذا و ذاك فلا يوجد ذعر في منطقة طوكيو و لا يتم فرض حظر تجول !..
فقوة شعب اليابان الاجتماعية لا مثيل لها لا في الشرق و لا في الغرب و هذه التجربة لم يشاهدها العالم في أغنى و أكبر دولة و لا في أفقرها بالضرورة , فالمتاجر في منطقة فوكوشيما خفضت أسعارها إلى النصف عندما ضربها الزلزال , ولم يعرف اليابانيون معنى السلب و النهب و الجريمة استغلالاً للأوضاع الكارثية , مثل ما حدث و يحدث في بلدان أخرى في أزمات شبيهة , مثل بريطانيا خلال فيضانات عام 2007 أو في تشيلي إثر الهزة الأرضية عام 2010 م و حتى في الولايات المتحدة الأمريكية حيث حدثت سرقات بمعدلات عالية خلال اعصار كاترينا , و الأمثلة كثيرة في مختلف دول العالم إلا اليابان , فهو الاستثناء العالمي الوحيد فالناس أرجعوا البضائع إلى الرفوف بمجرد انقطاع الكهرباء , بل إنهم يتفادون دخول المتاجر أثناء أو عقب أي هزة , أو اذا كان المتجر يخلو من الموظفين , حتى و اذا كانت جميع أبوابه مفتوحة !...
الناس في اليابان يبحثون عما يجمعهم و لا يفرقهم و خصوصاً في أوقات الأزمات و المحن و المصائب , فهم يحافظون على الطوابير لشراء السلع و كل حسب حاجته , و يحافظون على هدوئهم بشكل كأنه مدروس كالنحل , و حتى حزنهم تراه مقتصراً على دموع صامتة , بلا صراخ و لا نواح , الناس لا يهرعون إلى الشوارع بشكل هيستيري و على غير هدى , لأنهم عاقلون و يعرفون واجبهم و ما ينبغي عليهم فعله , و هنالك تجد في كل بيت حقيبة اسعافية صغيرة شبه جاهزة , يحملها رب الأسرة وقت الزلزال سريعاً و يخرج , يحتفظ فيها بجوازات السفر و بطاقات الائتمان و الأشياء المهمة جداً و كل ما خف وزنه و على ثمنه ؟؟!!..
و الغريب أن الكاتبة الأمريكية ريبيكا سولنيت التي نشرت كتاباً حول هذا الموضوع عام 2009 بعنوان ( جنة في الجحيم ) قالت فيه : (عندما يكون لديك شعب يعرف مسبقاً كيف يتصرف , فإن ذلك يوفر لك مجالاً للتفكير المنظم السليم , ووضع الحلول الناجعة بسرعة كبيرة , فهل يمكن أن نرى ذلك في غير اليابان , و خاصة في البلدان العربية ؟..
و من القلب أتمنى ذلك التنظيم العظيم و التفكير السليم لكافة الشعوب العالمية وخاصة العربية.