جاءت كلمة الرحمة من الرحم و اتسعت لها القلوب لاحتضانها حتى التي ليس بينها صلة أرحام و الحقيقة أن الله عز و جل ما خلق الإنسان ليشقى و إنما ليكون خليفته على الأرض ....
كل شيء خلقه للتيسير و الخير في أول أمره ,و طلب من الإنسان التفكير و حسن التدبير على أساس المحبة و السلام , و لكن مع الأسف اختلفت الطباع , و تكاثرت الأطماع , و تركب البسيط و تعقد المركب ,و سار الإنسان من مدينة إلى مدينة ,حتى وصل به الأمر إلى حضارة أم المادة و الدم في القرن الحادي و العشرين و تورطنا فيها بالحروب و الفتن و الدماء و الأحقاد و تلويث البيئة و انتشرت أمراض عصرية لم تعرفها الحضارات السابقة و بدأ الإنسان سلخ إنسانية أخيه الإنسان نظراً لانتشار تجارة الأعضاء البشرية و عبادة إله المال و الذهب رغم أنف كل القيم و الأخلاق و التقاليد و رسالات الرسل و الأنبياء ؟!...
نعم نحن نعيش اليوم في حضارة ألبسناها لباس العنف و الإجرام و خلعنا عنها لباس المحبة و السلام لأن الحضارة الحالية غنية بالكوارث و النكبات و الزلازل و الأعاصير و انتشار الحروب المفتعلة , و شيطنة البشر و العودة إلى جاهلية أشد من الجاهلية الأولى !...
لقد فقد البشر إنسانيتهم و تآزرهم و محبتهم في أيام المصائب و المحن حتى بين أفراد الأسرة الواحدة ,فالتفت الإنسان نحو صداقة الحيوان و كان الكلب حارساً و رفيقاً و أنيساً على الطريق ...لقد قال مارك توين يوماً خذ كلباً ضالاً جائعاً و أطعمه و املأ معدته , إنه لن يعض اليد التي أحسنت إلية أبداً و هذا هو الفارق الكبير بين الناس و هذا الحيوان الوفي الأمين؟...
و لما ذهب نابليون ليعيش في منفاه لم يكن وحده فقد فوجئ الجميع بكلبه الصغير "لوريل" يسير وراءه إلى المنفى !..
إن جميع أهل الفكر و العلماء يطلبون من الناس الآن أن يرتدوا إلى الطبيعة الأولى ,إلى الزرع و الحصاد ,إلى اليقظة على الشمس و النوم مع غروبها و إلى الحرص على السلام و تجنب الحروب و الفتن و إلى العودة للقلوب المحبة و الوجه الباسمة .
ولقد كان الكاتب العالمي برناردشو معجباً طوال حياته بشخصية نبي الإنسانية محمد صلى الله عليه و سلم فكان يرى في حياته و رسالته تجسيداً للبطولة الإنسانية كما يفهمها,و لقد أراد برناردشو أن يكتب مسرحية تتناول حياة لرسول صلى الله عليه و سلم إلا أن السلطات البريطانية منعته لأن ذلك سيثير مشاعر رعاياها من المسلمين لأن الدين الإسلامي يحرم تمثيل شخصية الرسول على المسرح مع ذلك نطق برناردشو في مسرحياته بكثير من التعليقات التي تشير إلى حياة النبي الكريم فالشيخ في مسرحية (العودة إلى متوشالح) يقول عن النبي صلى الله عليه و سلم (إنه عميق الحكمة ...) كما أنه في مسرحية (القديس جان دارك )الكثير من الإشارات إلى النبي صلى الله عليه و سلم.و في قول مأثور له يقول عن النبي محمد عليه الصلاة و السلام : أما أنا فأرى واجباً أن يدعى محمد (منقذ الإنسانية )و أعتقد أن رجلاً مثله لو تولى زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته و أحل فيه السعادة و السلام .
و لقد استطاع المخرج الحلبي الراحل مصطفى العقاد من خلال فيلمه الرسالة أن ينجح في إبراز دور النبي محمد صلى الله عليه و سلم في إنقاذ الإنسانية و أن يكون بحق نبي المحبة و السلام ,رغم الصعوبات التي عارضته في إخراج و تمويل هذا الفيلم بل و منعت مشيخة الأزهر أن يكون اسم الفيلم محمد رسول الله ؟!...
و أخيراً وضعت نقابة الأطباء في حلب كافة العراقيل أمام إقامة ندوة طبية بعنوان (معاكسة الأمراض الحضارية بالدليل الحي ) و التي كان من المقرر أن تقام بتاريخ 27 شباط 2011 ,إلا أن اللجنة الثقافية و رئيس النقابة لم يفهموا المغزى الحقيقي لأهمية تلك المحاضرة , و التي حضر من أجلها بعض المرضى الغربيين ليشهدوا على صدق العلاج ,و رغم أن هذه الندوة قد عرضت في مؤتمر موناكو العالمي للقلب في شهر تشرين الثاني 2009 م إلا أنني وجدت يومها أننا أصبحنا نقرأ الطب الـ (الطب ) من الشمال إلى اليمين فكان المعنى النهائي لذلك كلمة (بط ) فقلت في نفسي حزيناً: ماذا يعرف البط عن أهمية الماء الذي يسبح فيه طوال حياته ؟!..
فألغيت المحاضرة أمام دهشة المرضى الغربيين ! و هذا هو حقيقة بعض علماء الطب عندنا رغم ما تقدمه الدولة من إسهامات لرفع المستوى الصحي , و هكذا نرى دعماً لهذه الحقيقة أننا لم نفهم بعد حقيقة علاج حبة حلب (اللايشمانيا) رغم أن الطبيب البريطاني الكسندر راسل و الذي عمل في حلب لمدة 25 سنة (1742-1768) و شرح بصورة تفصيلية عن حبة حلب من خلال كتابه الشهير (التاريخ الطبيعي لحلب ) و يعتقد بعضهم أن شهرة حلب تعود لتلك الحبة ؟!.. إنها سخرية الزمن في طمس الحقائق العلمية ,علماً بأن الدكتور راسل قد اعترف أن أهالي حلب الأوائل على دراية كبيرة بتلك الحبة إلى درجة أنهم يفرقون بين جنسين رئيسيين في الحبات ,الذكر و الأنثى؟!... ولكن لم نعرف بحلب حتى الآن أن القضاء على تكاثر ذباب الرمل هو أفضل وسيلة للعلاج و لمنع انتشار هذا المرض ,نظراً لاهتمامنا بالبط أكثر من الطب ؟!.. و في حلب نرى العجب !...و أخيراً يقتضي فهم الحضارة إلى حضارة !؟...