تخرج الشمس من وكرها الكائن بين جبال اللاذقية, لتلقيَ تحية الصباح على قرية حمَّام القراحلة, فتُلبِس أشجارَ الزيتون رداءها الأخضر و تكسو الأزهار بألوان خرافية
و تتهافت الطيور من كل صوب مرحبةً بهذا الصباح الجديد, أما البحر, فله مشاركته في هذه الطقوس إذ يرسل نسماتِه لتراقصَ الأغصان و الأزهارَ فتكتمل مراسم الاحتفال الصباحية.
أستيقظ "مرغماً " كي أقتني في مخيِّلتي شيئاً من جمال الطبيعة و أمحوَ الكثير من صخب الحياة الحضرية.
بعد أن يستيقظ جدي و ينهي اتصالاتِه مع الخالق, تكون جدتي قد أعدت لنا القهوة, فأجلس مع من يعكسان هذا الجمال بصورة آدمية. فما ذاك العجوز الذي مازال جسده يصارع السنين سوى شجرةِ سنديان متشبثةٍ بالأرض, قاسيةٍ في مظهرها, معانقةٍ الأرضَ بجذورها معلنةً محبةً أبدية. و ما تلك العجوز سوى زهرةٍ ريفيةٍ تختزن حزن الشرق و جمال الريف و عَبَق الأم الشرقية.
تتابع الشمس رحلتها فوق الجبال, فتفرش أشجار السنديان و التوت البري و عرائش العنب أفياءَها, وتلمع من بعيد أشعة ذهبية ما هي إلا وليدة حوار بين الشمس و البحر. و تصنع الجبال لنفسها ثوباً من الظلال لا يلبث أن يُحالَ مع تحرك الشمس خيوطاً في ثنايا الجبال المتصلة فتفصلها عن بعضها بحدود وهمية.
تبدأ الشمس رحلة الوداع متجهةً صوب البحر, فإذا ما تلقفتها بعض الغيوم المتلبدة فوقه تسمح لأشعتها التي اصطبغت باللون الأحمر بالانسلال من بينها, و من ثم تشرع الشمس بمغازلة الأفق إلى أن تتلاشى معلنة نهاية نهار صيفي جميل من نهارات قريتي "حمَّام القراحلة".