news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
وجهةُ نَظَرٍ (1 )... بقلم : المحامي منير العباس

الرؤيا رقم -1-


كعادتي ، بعدَ انتِهاءِ عملي اصطَحَبتُ علبةَ سجائري الوطنيةِ وزجاجةَ خمري الوطنيِّ أيضاً ، وجلستُ أمامَ التلفازِ أقارعُ محطاتِهِ الإخباريَّةَ التي يكفيني أنَّها عربيَّةٌ مُمَانعةٌ مقاومةٌ لأرى فيها وطني .

اقتحمتْ زوجتي عَلَيَّ خَلْوَتي المُزمنةَ وسألتْني إنْ كنتُ سأرافقُها لتُباركَ زواجَ ابنةِ صديقتِها ، وعندما لم تأخذْ مِنِّي حَقَّاً ولا باطلاً قالتْ وهي تغادرُ :

-       أراكَ " رِجْلاً إلى الأمام ، ورِجْلاً إلى الخلفِ " .

 

سمعَ ولدُنا الأصغرُ طارقٌ عبارتَها فدخلَ عَلَيَّ يحملُ رغبةً أَدْرَكْتُهَا فيه قبل أنْ يُعلنَها ، فهو صديقي وبينَنا حواراتٌ وسجالاتٌ لا تُحْصى في الشِّعرِ والأدبِ ، فالشِّعرُ -   بِناءً وفكراً – يُشكِّلُ طَبقَنا اليوميَّ ، وهوَ الشَّاعرُ الذي لمْ يبلغِ الرابعةَ عشْرَةَ منْ عُمْره وقد نَظَمَ ديواناً من الشِّعرِ عَلى بحورِ الخليلِ بنِ أحمدٍ الفراهيديِّ . سألَنِي طارقٌ :

-       ماذا يعني " خطوةٌ إلى الأمامِ وخطوةٌ إلى الوراءِ " ؟

-       يَعني أنَّكَ " ساكنٌ " .

-       ماذا لو سِرتُ " خطوةً إلى الأمام وخطوتينِ إلى الخلف " ؟

 

-       يعني أنَّكَ " تسيرُ إلى الخلف " .

-       إذاً إذا سِرْتُ " خطوتينِ إلى الأمامِ وخطوةً إلى الخلفِ " فأنا " أسيرُ إلى الأمام " ؟

-       بل " ترجِعُ إلى الأمامِ " .

وخوفاً منْ أنْ يسألني طارقٌ سؤالاً جالَ في خَلَدي ، أظهرْتُ ضَجَري وطلبتُ منهُ المُغادَرَةَ لمُتابعةِ دروسِهِ ، ولكنَّه ألقى سؤالَهُ بكلِّ براءةٍ :

-       ولكنْ هل نَبني وَطَناً " بخطواتٍ أماميَّةٍ خلفِيَّةٍ " وأخرى " خلفية أمامية " ؟! لِمَ لا تَكونُ كلُّ " خطواتِنا إلى الأمام " ؟!

-       .......... ؟!

 

-       وكيفَ يَسيرُ رئيسُنا ؟

-       رَئِيْسُنا والقِلَّةُ مَعَهُ " يَسيرُونَ إلى الأمامِ " ، بينَما الكثيرونَ مِمَّنْ حولَه " يرجعونَ إلى الأمامِ " .

ابتَسَمَ طارقٌ بألَمٍ ، بينَما وبعدَ أنِ اطْمَأْنَنْتُ إلى أنْ لا أحَدَ حولي مِمَّنْ يرجعونَ إلى الأمامِ أجهزتُ على ما تبقَّى في زجاجتي فَرُحْتُ في " غيبوبةٍ يَقِظَةٍ " ، مررْتُ بها على قائدٍ لا زلتُ أرى فيهِ أمَلَ الأجيالِ العربيَّةِ فَنَقَلتُ لهُ تساؤلاتِ أحَدِ براعمِ هذه الأجيالِ بكلِّ أمانَةٍ ، لكنِّي لم أنتَظرْ منهُ قولاً قد يُؤلمُهُ فأعَكِّرَ صَفْوَ مسكَنِهِ في قلبِي .

نَظَرتُ إلى طارِق الذي كان يُتابِعُ رحلةَ " غيبوبَتي اليَقِظَةِ " بإشفاقٍ ، فَنَقَلتُ لهُ مُلَخَّصاً مِمَّا احْسَسْتُهُ يَقيناً :

 

-       الرئيسُ يُقْرِئُكَ السَّلامَ يا بُنَيَّ ، فانْتَظِرْ " شَمْسَ الغَدِ القريبِ " .

-       وأنَا أُقْرِئُ رئيسيْ وقائِدِيْ وأَمَليْ أَزكى السَّلامِ والتَّقْدِيْرِ والإجْلالِ ، أمَّا وقَدْ ثَمِلْتَ يا أَبَتِ وأوقَدَ السُّكرُ عقلَكَ فاسْمَحْ لي بِأَنْ أعودَ إلى دَرْسيَ لأُعِدَّ لِشُروقِ الغَدِ عُدَّتَهُ .

-       إذاً وافِنِيْ بِزُجاجَةٍ أخرى قَبْلَ أنْ " تَرْكُلَ أفكاري تِلْكَ الخُطُواتُ الرَّاجِعَةُ إلى الأمامِ " .

-       أَهُنالكَ رؤيا أُخرى ؟

-       معْ " غَيْبوبةٍ يَقِظَةٍ " أُخرى . 

2011-05-03
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد