الحِوارُ في أحَدِ مَعانِيه اللُغويَّةِ يَعني مُراجَعَةَ الكلامِ ، والتَّحاوُرُ يَعْني التَّجاوُب .
أمَّا الحِوارُ والحِوارُ الوطنيّ في السِّياسَةِ فَيَعْنِي : وجُودَ طَرَفَيْنِ - على الأَقَلِّ – مُختَلفين فِي أمرٍ أو لم يَتَّفِقا على أمرٍ يَمسُّ جانباً من جوانِبِ الحياةِ السِّياسيَّةِ أو الاقتصاديَّةِ أو الاجتماعيَّةِ في الوطن .
وَلِوجودِ الخِلافِ أو لِعَدَمِ وجُودِ الاتِّفاق بينَ ما تُسمَّى ( المُعارضَةَ السُّوريَّة ) وبينَ السُّلطةِ فَقد اتَّفقَ العُقلاءُ مِنَ المُعارضَةِ وأصحابِ القرارِ من السُّلطةِ على الوُصولِ إلى اتَّفاقٍ ، وفي الحدودِ الدُّنيا تَضييقِ الخِلافِ وذلكَ عن طريقِ الحِوارِ الوَطَني وَتحتَ سقفِ الوطنِ وفي جَميعِ المُحافظاتِ السُّوريَّةِ ، ومنها محافظةُ حمصَ والَّتي كانَ لها النَّصيبُ الأكبَرُ من سِهامِ التَّوتُّرِ لأسْبابٍ كثيرةٍ لا مَجالَ لِذكرِها هنا .
فَعُقدتْ جلساتُ ( الحِوارِ الوطنيِّ ) في حِمصَ بِتاريخِ السَّادسِ عشرَ من شهرِ أيلولَ لهذا العام 2011
ولكن هل حقيقةٌ كانَ هُنالِكَ حوارٌ في حمص ؟
أكادُ أجْزِمُ أنَّهُ ما مِنْ عاقِلٍ يستطيعُ أنْ يُؤكِّدَ هذا أو ذاك، ولكن ما مِنْ أَحَدٍ يُنكِرُ أنَّ ما سُمِّيَ بالحِوارِ في حمصَ كانَ ظاهِرةً صِحِّيَّةً حضاريَّة .
ومِمَّا يُؤخَذُ عَلى ( التَّجَمُّعِ باسمِ الحِوارِ ) في حِمصَ نُقاطٌ ثَلاثْ :
النقطةُ الأولى : أنَّ المكانَ كانَ أشبَهَ بِمأتَمٍ وَقَدْ غابَ عَنْ عَلْيائِهِ النَّشيدُ العربِيُّ السُّوريّ .
النُقْطةُ الثَّانيةُ : تَتعلَقُ بالقائمِينَ على إدارةِ الجلسة ، فَقَدْ مارَسُوا الرِّئاسَةَ وليسَ الإدارة ، والمعروفُ أنَّ الحِوارَ يكونُ بينَ أنْدادٍ يختارونَ مِنْ بينِهِمْ مُديراً لِيُمارِسَ مُقتضياتِ الإدارةِ لا رَئيساً يستثمِرُ سلطاتِ الرِّئاسةِ وصلاحياتِها .
النُقْطةُ الثَّالِثَةُ : وَهْيَ مِنْ مَثَالِبِ الرِّئاسَةِ المُشارِ إليها في النُّقطةِ السَّابقَة ، وَتتجلَّى في القَمْعِ وعدمِ الحِياديَّةِ مِنْ قِبَلِ ( لِجنةِ رئاسَةِ الحِوار) .
فَقَدْ قرَّرتْ هذه اللِّجنةُ مُنفردةً أنْ تُعطي لكُلِّ مُحَاوِرٍ سَبْعَ دقائقَ فقط ، وَكَأَحَدِ المُحَاورينَ طلبتُ مِنَ الرِّئاسةِ أن تُسجِّلَ لي الاعتِرَاضَ التالي وحرفياً :
( إنَّّ إرْغامَنا على تَعْليبِ أفْكارِنَا بِسَبعِ دقائِقٍ هُوَ نَوْعٌ مِنَ القَمْعِ غَيْرِ المُحِقّ )
وَمَعْ أنَّ الدَّقائِقَ السَّبْعةَ كانتْ تُسقِطُ المُحَاوِرَ مِن مُنتصَفِ البِئْرِ فَإنَّ رُبْعَ أعْضاءِ إدارَةِ الجَلسةِ المُؤلَّفَةِ مِن أرْبَعَةِ أعضاءٍ لَمْ تَكُن على مَسافَةٍ واحِدَةٍ مِنَ المُتَحاوِرين ، بل لقد أَعْمَلَ – وَدونَما خَجَلٍ – سِياسَةَ ( الخِيارِ والفَقّوسِ ) في توزيعِ الوقتِ بينَ المُتَحاوِرين .
فَعَلى سبيلِ المِثال : فإنَّ أحَدَ المُحاورين اقتصَرَ في كلمتِهِ عَلى مُهاجَمَةِ الجيشِ وإدانَةِ دورِهِ الوطَنِيّ ، وكانَ كَمُذيعٍ في قناةِ الجَزيرَةِ المُتَصَهيِِنَةِ ولَمْ يَعترِضْ عَليهِ أَحَدٌ مِن مُنْطَلَقِ ديموقراطيَّةِ الحِوارِ ولكنَّ الجميعَ اعْتَرضَ على إعْطائِهِ مَا يَزيدُ على عَشْرِ دقائِقٍ ( أَيْ حِصَّةُ مُحَاوِرٍ وَنِصف ) ، وتمَّ إنهاءُ الدَّقائِقِ العَشْرِ مِنْ قِبَلِ المُتَحاوِريْنَ وليسَ مِنْ قِبَلِ ( عُضْوِ الإدارَةِ اللاَّ حِيادِيّ ) .
هذا ما يُؤْخَذُ على الحِوارِ الوطنِيِّ في حِمصَ والَّذي سأُحَرِّرُهُ مِنَ القَوسَيْنِ لأنَّهُ فِعلاً حِوارٌ وَطَنِيٌّ حَضارِيٌّ أَتى أُكُلَهُ مِنْ حَيْثُ تَشخيصُ أسبابِ الأَزَمَةِ الَّتي مَرَّ بِها الوطنُ واقْترَاحُ العِلاجَ الذي يَبدأُ بالكلِمَةِ الحُرَّةِ وَيَنتهي بالكَيّ ، فالحِوارُ جَمَعَ مُعْظَمَ - إنْ لَم نَقُلْ كُلَّ - أطْيافِ النَّسيج السِّياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ العربيّ السوريّ كَما كانَ غَنيَّاً بالمُختلفينَ على أسْبابِ الأزْمَةِ وتحديدِ الطَّرفِ أو الأطْرافِ المسؤولةِ عن حصولِها والمُتَّفِقينَ على ضُرورَةِ عِلاجِها والنُّهوضِ بالوطَنِ لِيَستَمِرَّ وَطَناً مُوَحَّداً مُقاوِماً مُمَانِعاً يَملِكُ قَرارَهُ الوَطَنيّ وَيَبسُطُ سيادَتَهُ على كامِلِ تُرابِهِ وجوِّهِ وبحْرِه ، وَطناً مُحَصَّناً بِوحدتِهِ الوطنيَّةِ مُتَجذِّراً في انْتِمائِهِ العربيّ مُتَمسِّكاً بِِثوابِتِهِ حِيالَ القَضايا العَرَبِيَّةِ المركزيَّةِ ولا سيَّما القضيةُ الأُمّ ، قضيَّةُ فلسطينَ العَرَبِ وحَقِّ أبنائِها في تقريرِ مصيرِهِمْ في دَولةٍ عَرَبيَّةٍ فلسطينيَّةٍ عاصِمَتُها القُدْس