تنتشر في أوساط مجتمعنا الحاضر الميال إلى القوام الممشوق والقد المياس (خصوصا في وسط الإناث) فكرة الحميات الغذائية الخاصة أو ما يسمى بالريجيم ونراه وقد تجلى في مختلف أنواعه وأشكاله.
ويتجلى الأمر بوضوح في أوساط فتياتنا على أنه ضرب من الموضة ، وفي الحقيقة أنه من الحذر بمكان أن نتلطف في معاملة جسمنا فلا نعرضه إلى تقلبات سريعة ومناورات تهدد توازنه الطبيعي، و نشدد على ضرورة استبدال مفاجآت تأثير الحمية المتقطعة أو الحمية الغير مدروسة أو ما يعرف بالسريعة التخفيف قليلة السعرات، يفضل استبدالها بنظام غذائي مستديم متوازن كي يتعايش معه الجسم ويتكيف إليه في راحة بحيث يوفر للجسم كل احتياجاته الأساسية من المصادر الغذائية المختلفة من اجل القيام بعمليات البناء والهدم والتجدد والتمثيل الغذائي واستخلاص الطاقة وحرقها بصورة طبيعية فلا يكون في هذا النظام الغذائي زيادة أو نقصان عن الحاجة.
يهمنا أن نعرف أن الريجيم القاسي ينضوي على مخاطر صحية متعددة، فغالباً ما تحتوي هذه الحمية على صنوف قليلة كمياً وكيفاً من حيث مصادر الطاقة الأساسية، من بروتينات ، كربوهيدرات(سكريات)، نشويات ومواد حيوية أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة للمعادن والفيتامينات.
مما يعرض الجسم إلى حالة تجويع جبرية ونقص في بعض الفيتامينات والمعادن ، يظهر جليا من خلال ظهور العوارض المختلفة الخاصة بنقص الفيتامينات، ومنها تشوش التركيز والاضطراب المزاجي والكآبة والوهن الشديد وهشاشة الجلد وجفافه وترهله و"زغلة" في العيون وزيادة نمو الشعر ووهن العضلات وآلام عضلية أو مفصلية، إضافة لكافة الأعراض المصاحبة لفقر الدم في حال وجد نتيجة نقص الحديد أو الفيتامين B12، من ضعف وآلام في الرأس ودوخه الخ، وكذلك بعض المضاعفات المرضية الناتجة عن السموم في الدم.
إذ أنه ، من مخاطر مداومة استخدام الحميات القاسية أن جسدنا يستعيض بحرق الطبقات الدهنية المخزونة تحت الجلد من أجل تحصيل الطاقة الناقصة من الغذاء المتلقى الشحيح، ومعروف أن هذه الطبقات الدهنية من أكثر الأماكن احتواء لفضلات السموم الكيميائية المضرة التي يفرزها الجسم أثناء عمليات الأيض االنسانية وإنتاج الطاقة العضوية، وبالتالي فإن حرقها يفرز هذه السموم ويبثها إلى باقي أنحاء الجسم، هذه السموم تهاجم الخلايا والمركبات الحيوية والإنزيمات(المحفزات) البروتينية في الجسم وتضر بعملها.
كذلك فإن استفراغ المخزون الدهني تحت الجلد بشكل سريع يؤدي إلى ترهل طبقات الجلد وهشاشتها.
كما أن النقص الكبير في السعرات الحرارية في هذا النوع من الحميات يؤثر بالضرورة على كفاءة الجسم في تسيير عمليات التمثيل وامتصاص المواد الغذائية إلى الدم ،لإنتاج الطاقة اللازمة لتغطية نشاطنا الذهني والجسماني والباطني.
الحقيقة العلمية لهذه الحميات الصارمة هي أن الجسم يتعامل معها على أساس أنها أزمة غذائية، فيقوم بتبني نظام حرق وتخزين للطعام أقوى مما كان عليه من قبل الحمية ليواكب النقص العضوي، بالتالي بمجرد رجوع صاحب الحمية إلى عاداته الغذائية العادية فإن الجسم يسارع بتخزين الطعام بفعالية عالية كما اعتاد طيلة فترة الحمية وربما، تحسبا من الوضع السابق أن يعود ظنا منه بأن هذا التجويع سيدوم فيحاول بمنطقه البسيط (نقصد الجسم) أن يعد عدته ويستغل فرصة الأكل هذه، مما يؤدي لرفع الوزن لأعلى مما كان عليه قبل الحمية.
فإذن نحن نجوع أجسامنا،ونقصد بكلمة تجويع
- نقصان في احتياجات الجسم عن الدرجة الدنيا المطلوبة لتحقق نشاط طبيعي متكامل، بالنتيجة، نحن نؤدي بجسدنا الجائع إلى اضطراب قد يكلفنا صحيا ً، ويؤدي بنا إلى استرجاع الوزن المفقود بمجرد العودة إلى تناول الغذاء بالشكل الذي اعتدنا عليه قبل الحمية.
نختصر غايتنا من هذا المقال، بأن أفضل طريقة للوقاية من السمنة وحل مشكلة البدانة هي استخدام نظام غذائي سليم وممارسة الرياضة للاستمتاع في الحياة اليومية والحصول على وزن مقبول يناسب اجتهادك فيهما, وتقدير وتعظيم للهبات التي وهبنا الله إياها وهي الصحة والعافية وقوة القلب والعقل وكل ذلك مرتبط بمدى الطاقة التي نقدمها لهذا الجسد للسير في الحياة اليومية وترقية الروح التي تسكن الجسد ....
إن الطريقة المثلى لحرق الشحوم المتراكمة في أجسامنا هي ممارسة الرياضة في جميع صورها ،خصوصا ً المشي اليومي لمدة نصف ساعة على الأقل مع إتباع نظام تغذية صحي متوازن ودائم، بما فيه الإكثار من شرب الماء والسوائل الخفيفة الطبيعية.
و أخيرا ً ، فإن من واجبنا إتباع إرشادا ت وتوجيهات ديننا الإسلامي الحنيف الذي يلتمس التوازن الحياتي النفسي ليتمتع الإنسان بصحةٍ وسلامةٍ يؤكد عليها كل بحث علمي حديث في علم التغذية الحديثة- فيما حضرنا منها حتى الآن-.
فقد قال تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"
ومن توجيهات رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم :
عن أبي كَريمَةَ المِقْدامِ بن معْدِ يكَرِب-رضي اللَّه عنه-قال: سمِعتُ رسول اللَّه-صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- يقَولُ: (مَا ملأَ آدمِيٌّ وِعَاءً شَرّاً مِنْ بَطنِه، بِحسْبِ ابن آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبُهُ، فإِنْ كَانَ لا مَحالَةَ، فَثلُثٌ لطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لِشرابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) .رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وكذلك قوله (ص): "المعدة بيت الداء" فأولى وسائل الوقاية تكمن في المعدة وما يتناوله المرء من أطعمة وأشربه. وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في مِعي واحدٍ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء). والمراد أن المؤمن يأكل بأدب الشرع، فيأكل في معي واحد، والكافر يأكل بمقتضى الشهوة والشره والنهم، فيأكل في سبعة أمعاء.
وندب الحبيب-صلى الله عليه وسلم-إلى التقليل من الأكل والاكتفاء ببعض الطعام والإيثار في الباقي منه، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: طعامُ الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة
فأحسن ما أكل المؤمن في ثلث بطنه، وشرب في ثلث، وترك للنفس ثلثاً، كما ذكر النبي-صلى الله عليه وسلم- ، فإن كثرة الأكل تجلب البطنة، والبِطنةُ رأسُ الداء.