وراء كل حجر / كف / وخلف كل عشبة / حتف / وبعد كل جثة / فخ جميل محكم / وان نجت ساق / يظل ساعد ومعصم / تقدموا / كل سماء فوقكم جهنم /وكل ارض تحتكم جهنم / تقدموا تقدموا .... ( الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم ).
قصة رقم 1:
( الأب والفاجعة ) عاد من عمله ، فرأى تجمع كبير أمام بيته ، ركض مسرعاً فأبصر طفله الوحيد الذي لم يبلغ عمره العاشرة بعد جثة مشوهة ، مبتورة قدمه ومرمي على الأرض وفوقه أمه تصيح وتنتحب وتضرب بيديها على وجهها وتقول: - قتلوه أولاد الحرام قتلوه الصهاينة..يما عليك ..يما.. كان الطفل يرشق الصهاينة بالحجارة في إحدى المظاهرات في غزة ، فتمكن منه الجنود الإسرائيليين وقتلوه، ومثلوا بجثته ورموه في حارته حتى يعتبر غيره.
هول المشهد على الأب كان صاعق بالنسبة له، لم ينبس بحرف واحدا ، حاول الناس المتواجدون أن يهدؤوا من روعه ولكن للأسف ضعف جدا وفقد عقله ، وصرت تراه يمشي في الشوارع بلباس قديم و بالي وحالته يرثى لها ، يحمل بيده قضيب من الخشب يصوبه ناحية الناس وكأنه بندقية، ويصيح بصوت مرتفع:( طاخ..طيخ..طاخ..)...
وكأن به ينتقم ولكن بدون إدراك لما يفعله ، ثم غاب عن الحارة فترة طويلة دون أن يعرف أحد سر غيابه ،وذات صباح أفاق الناس في حارته على صوت صراخه وضحكاته الغريبة، فخرجوا ليروا ما الأمر ، وإذا به يرقص وبيده بندقية حقيقية وتحت قدميه جنديان من اليهود الصهاينة مضرجين بالدم.
قصة رقم 2:
( أم ياسر) بالرغم من سماعها لدوي الرصاص وانفجار القنابل والصواريخ بالقرب من بيتها ، إلا أنها آثرت أم ياسر التي تسكن في أحد أحياء القدس مع أطفالها الثلاثة أن لا تهرع أو تخاف ، لم يكن بيدها سلاح لتقاتل به ، وبنفس الوقت يصعب عليها ترك بيتها الذي قضت فيه سنين مع زوجها الشهيد الذي كانت تحبه .
وبالتالي أن تبقى في بيتها وحولها أطفالها وهي تمسك بالمصحف الشريف وتقرأ الآيات القرآنية ، كان نوع من المقاومة ولو بالحد الأدنى بالنسبة لها. وبعد أن انتهت الغارات على المكان ، أصبح بيت أم ياسر أطلالاً ، أبعد الناس الركام ليروا مشهدا مؤثراً جداً ، لقد كانت أم ياسر مدفونة تحت الركام وبيديها تحتضن أولادها الثلاثة ، والأصبع السبابة في كف اليد تشير على تشهدها ، والمصحف الشريف مفتوح ومستندة برأسها عليه ، بعد ثلاث سنوات في مكان منزل أم ياسر بنى أهل الحي مسجداً وسموه مسجد أم ياسر.
قصة رقم 3:
( انتقام ) كان الجو خريفياً كئيباً ، واليوم أستشهد أحد الشباب في الحي ، فأقاموا له بيت عزاء ، وبعد دفنه جلس أهل الحي كلهم صامتين حزينين لا يسمع سوى صوت آهاتهم وصوت كلمات القرآن الكريم تصدح من مكبر الصوت ، وبعد دقائق ، علا صوت إطلاق الرصاص والقذائف من بعيد ، نهض الجالسين في خيمة العزاء وتفرقوا بسرعة ، لأن الإنفجارات وصلت المكان ، علا صراخ النسوة ، و استنفروا جميعاً ، و تشتتوا ، وهربوا، فتكومت الجثث فوق بعضها البعض في الحارة ، ثم سرعان ما خيم الصمت مرة أخرى ، وبعد لحظات عاد صوت المكبر و القرآن الكريم يصدح في المكان مرة أخرى ، وهبت رياح الخريف على الحي ففتحت أحد الأبواب في بيت من بيوته ، لتكشف عن أحدهم وهو يلثم وجهه ، ويضع الرصاص في مخزن بندقيته مجهزاً نفسه ليضرب اليهود مع رفاقه في مكان ما.
قصة رقم 4:
( آلو ..من ) أستشهد زوجها الشاب منذ شهرين في الغارات الأخيرة على غزة ، لقد تزوجت به من قرابة سنة فقط وهي وحامل في شهرها السادس ، تنتظر أن ينفك الحصار حتى تستطيع أن تعود إلى أهلها في حيفا ، فهي لا تعرف أحداً في غزة سوى زوجها الشهيد وجيرانها ، تمضي يومها وهي تنتظر فرج الله .
و يرن الهاتف في بيتها : - آلو من؟ - ((أنا الحجة سعاد من سوريا الله ينصركم يا بنتي....الله يقويكم على الأعداء أنا كل يوم بتصل على رقم عشوائي في غزة بحاول أوقف جنبكم وما طالع بأيدي غير الدعاء إلكم بالنصر إنشاء الله)). ترد وعيناها ممتلئتان بالدمع: - تسلمي يا خالة الله يطول بعمرك. تودعها بأدب وتغلق السماعة. .
بعد ساعة يرن الهاتف مرة أخرى:آلو من - أنا زينب من ليبيا كلنا معكم والله معكم نحن بنفتخر فيكم الله يحميكم تسر أيضاً بسماع الصوت وتشكر المتصلة. في اليوم الثاني يرن الهاتف أيضاً ترد عليه: آلو من : أنا سمية من مصر ..... .. الخ شعرت بسعادة عارمة ، خففت من وطأة مصابها ، وألمها ، فقد كانت هذه الإتصالات بالنسبة لها بلسماً يشفي وحدتها وضيق صدرها وكدرها من جراء الحصار الذي تعيشه هي وشعب غزة .
قصة رقم 5:
( ألف ..باء ) تستيقظ أم هاني كل يوم باكراً ، لتهيأ طفليها هاني وأخته مها للذهاب إلى المدرسة ، يخرج هاني الذي كان في الصف الثالث من المنزل ويمسك بيد أخته ويتوجهان إلى المدرسة في الحي المجاور ، ويمران في طريقهما بالقرب من الدبابات الإسرائيلية المتمركزة في الشوارع ومن فوقهما الطائرات المقاتلة تحوم ، وصلا إلى المدرسة فرأوها مدمرة بالكامل ، ويتحلق حول ركامها عشرات الأطفال مع المدرسين والمدرسات ، فالبارحة قصفتها مدافع العدو الإسرائيلي .
حزنوا كثيراً فقد كانت لهم فيها ذكريات بريئة، جلسا على الحجارة مع أصدقائهم حيث طلب منهم المدير جميعاً أن لا يغادروا المكان ، وبعد ساعة وصلت سيارة محملة بخيام كبيرة ، راح يتساعد الطلاب مع المدرسين على نصبها وتجهيزها ، وفي اليوم الثاني دخل هاني و أخته إلى مدرستهم الجديدة ، وراحوا يتعلمون : ألف .....باء...