إن الحياة كانت تبدو رائعة جميلة لو كنا نولد في سن الثمانين ثم نقترب على مر الأيام من الثامنة عشرة ......
((مارك توين))
قصة رقم 1
قرر السفر من حلب إلى دمشق لقضاء بعض الأعمال، وعلى الطريق راحت تزعجه ذبابة كانت قد دخلت سيارته عنوة ، فأخذت تقف للحظة أمام المرآة الداخلية ، ولحظات أخرى تقترب من وجهه كأنها تستفزه وتقول له : أنا هنا . ثم تلف وتدور حول رأسه و تمسح برأسها على زجاج السيارة وصوت طنينها يهيج أعصابه ، حاول إبعادها بيده فلم تستجب ، فتح النوافذ علها تخرج فأبت الخروج ، أغلق النوافذ ورفع مستوى التبريد تجمد هو وهي لم تتجمد ، ارتأى حلاً آخر ركن سيارته على يمين الطريق وفتح الأبواب وشرعها للهواء وراح يراقبها من الخارج ، وقفت الذبابة على المرأة الداخلية من جديد وكأن بها تنظر إليه ضاحكة لأن حيله كلها لم تنفع معها .
ضاق ذرعا بها ، ثم راح يضحك في سره و خطر بباله خاطر فقال : هذه الذبابة تشبه الإسرائيليين دخلوا فلسطين دون استئذان ، وأقاموا فيها ورغم كل المقاومة تجاههم فهم مستعصون و يرفضون الخروج منها. وأخيرا أطبق الأبواب وركب السيارة ، وبقي على طول الطريق يحاول إبعادها بشتى الوسائل علها تغادر سيارته ، فيستريح .
قصة رقم 2
قال أحمد لصديقه سالم ، البارحة حلمت أنني قد تزوجت من امرأة سوداء ودميمة ، وقد كشفت لي عن عورتها فهربت منها ، وإذ بي أقع في البحر ، فانتشلني طائر يشبه البراق ورماني من السماء ، وسرعان ما وجدت نفسي في قطار ، ثم راحت تتفكك أجزاء القطار كله حتى صار الكرسي الذي اجلس عليه هو وحده يمشي على السكة ، بعد ذلك وقفت على مسرح وأمامي الجماهير تصفق لي ، وبيدي جائزة سينمائية ، وكان عادل إمام هو من يسلمني الجائزة ، ثم استيقظت على رنين ساعة المنبه وذهبت إلى عملي .
برأيك ما تفسير هذا الحلم ؟ قال له سالم بلهجة غاضبة وبامتعاض من وضعه المزري : لا أدري ، لقد كان سالم مقهوراً لأنه مجدداً كان قد ترك عمله بعد أن تصادم مع مديره لسبب ما وقد مضى أسبوع وهو يبحث عن عمل آخر وإلا الآن لم يجد فرصة يوفق بها فالمسؤوليات الملاقاة على عاتقه كبيرة و هو عاجز عن تأمين لقمة العيش له ولأهله . وفي اليوم الثاني رأى سالم أحمد فقال له : البارحة حلمت أني قد تخرجت من الكلية ، وحصلت على شهادة ، وتوظفت فوراً ، والتحقت بعملي مباشرة ، ثم صار لدي بيت وسيارة ، وتزوجت وصار لي أولاد ، ثم أفقت من نومي مفزوعا على صوت الجارة التي تقتتل يوميا مع زوجها حيث أنه لا يستطيع تلبية حاجيات البيت ، برأيك ما تفسير هذا الحلم ؟
رسم صديقه على وجهه علامات الاستغراب وقال له : والله لا أدري ! ولكن تعوذ من الشيطان ، فربما تكون أضغاث أحلام .
قصة رقم 3
حل الشتاء ، فأخرج (يوسف )معطفه القديم من الخزانة ، أخذ يتلمس قماشه ويفركه بأصابع يده ، و رماه على السرير ، وراح يتمعن به ، إنه المعطف الذي لبسه ورافقه في أيامه لأكثر من خمسة عشر عاماً ، لم يكن يوسف وفياً كل هذا الوفاء لمعطفه الذي أشتراه يوماً من سوق ( البالة ) كل تلك السنين حتى يصاحبه ، ولكن لأنه لا يملك سواه بسبب فقره وقلة حيلته في هذه الحياة ، ارتداه وخرج من البيت وراح دفأه يتسلل إلى جسمه ، ضحك في سره وراح يتمنى لو أنه كان مثل هذا المعطف ، على الأقل كان سيعمل في الشتاء ويخبأ في الخزانة معزز ومكرم طيلة أيام الصيف .
أما يوسف فيعمل ليلاً ونهاراً وصيفاً وشتاءً ، وقد أصبح في الخمسين من عمره يسعى أمام أولاده ، ويلبي احتياجاتهم ، ولا أحد مكترث بحالته أو حتى يحس بشعوره . كان يوسف يمشي بالقرب من قلعة حلب حيث يتجمع هناك الكثير من السياح الأجانب ، راح احد السياح يصور يوسف ( بكاميرا فيديو ) لأن لون معطفه غريب وقد شد انتباهه طريقة ارتدائه له حيث يستشف الناظر إليه على عمق الكوميديا السوداء والبؤس الذي يعيشه ، عرض السائح على يوسف أن يبيع المعطف الذي يرتديه، وبالفعل لم يكن يوسف وفياً لمعطفه فخمسة آلاف ليرة سورية ثمن معطف بالي وهو صفقة بالنسبة ليوسف في موسم الشتاء ، حيث انه بحاجة ( لبرميل مازوت ) حتى ينعم بحرارة المدفأة هو وأولاده في هذا الشتاء الذي يبدو أن برده قارص .
قصة رقم 4
( ألتم المنحوس على خائب الرجاء) وترافقا في هذه الحياة ، عملا ،و تعبا، وكدا ، وفي نهاية المطاف كان الرصيد صفر ، رجح كل واحد منهما بأن الآخر هو سبب لعنة الحظ العاثر الذي ترافقه والتعاسة التي تصيبه ، فقررا معا ًأن ينفصلا وكل يذهب في حال سبيله باحثا عن شخص أخر يرتقي به وينجده من نوائب هذه الحياة التي يقع بها دائماً ، ومضت الأيام ليتسنى لكل واحد منهم أن يصادف أنيسة الجديد فما كان من المنحوس إلا أن رافق ( يلي ماله حظ لا يشقى ولا يتعب) وخايب الرجاء رافق ( يلي جيت أدعي عليه لقيت الحيطة مايلة عليه).!!!؟؟؟